(٢) قال المصنف في تفسير هذه الآية: "والميزان مستعار للعدل بين الناس في إعطاء حقوقهم؛ لأن مما يقتضيه الميزانُ وجودَ طرفين يُراد معرفةُ تكافئهما. . . وهذا الميزان تبينه كتب الرسل، فذكره بخصوصه للاهتمام بأمره؛ لأنه وسيلة انتظام أمور البشر كقوله تعالى: {إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} [انساء: ١٠٥]. وليس المراد أن الله ألهمهم وضعَ آلات الوزن؛ لأن هذا ليس من المهم، وهو مما يشمله معنى العدل فلا حاجةَ إلى التنبيه عليه بخصوصه. ويتعلق قوله: {لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ} بقوله: {وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ}. والقيام مجاز في صلاح الأحوال واستقامتها؛ لأنه سببٌ لتيسير العمل. . . والقسط: العدل في جميع الأمور، فهو أعمُّ من الميزان المذكور لاختصاصه بالعدل بين متنازعين. وأما القسط فهو إجراءُ أمور الناس على ما يقتضيه الحق، فهو عدلٌ عام بحيث يقدر صاحب الحق [أن يكون] منازعًا لمن قد احتوى على حقه. . . وإنزال الحديد مستعار لخلق معدنه كقوله: {وَأَنْزَلَ لَكُمْ مِنَ الْأَنْعَامِ ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ} [الزمر: ٦] أي خلق لأجلكم، وذلك بإلهام البشر استعماله في السلاح من سيوف ودروع. . . ويجوز أن يُراد بالحديد خصوصُ السلاحِ المُتَّخَذِ منه. . .، فيكون إنزالُه مستعارًا لمجرد إلهام صنعه. . . والمقصود من هذا لفتُ بصائر السامعين إلى الاعتبار بحكمة الله تعالى من خلق الحديد وإلهام صنعه، والتنبيه على أن ما فيه من نفع وبأس إنما أُريد به أن يُوضع بأسُه حيث يستحق ويوضع نفعُه حيث يليق به لا لتُجعل منافعه لمن لا يستحقها". تفسير التحرير والتنوير، ج ١٣/ ٢٧، ص ٤١٦ - ٤١٧.