للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

"الحق ثقيلٌ مريء، والباطل خفيف وبِيء، وأنت رجلٌ إن صدقت سخطت، وإن كذبت رضيت" (١)؛ لأنه إذا شذت بعضُ الأقسام عُدَّ الكلامُ معيبًا. كما قيل إن ابن مَنارة هرب أحدُ عماله من صارفه، فكتب ابنُ مَنارة إليه: "إنك لا تخلو في هروبك من صارفك أن تكون قدمت إليه إساءة خفته معها، أو خشيت في عملك خيانة فلا بد من مطالبتك"، فوقَّع العاملُ تحته: "في الأقسام ما لا يدخل فيما ذكرته، وهو أني خفت من ظلمه إياي بالبعد عنك، وتكثيره على الباطل عندك، فوجدتُ الهرب إلى حيث يمكنني فيه دفعُ ما يتحرجه أنفَى للظنة عني، وبُعدي عَمَّنْ لا يُؤمَنُ ظُلمُه أولَى بالاحتياط لنفسي". (٢)

وأما الموازنةُ بين المعاني، فهي من ضروبِ النقد المعنوي، وإنما تعرض بين المعنيين المتشابهين فصاعدًا عند قصد التخيير لِما يناسب منها، وكذلك تعرض بين طريقَيْ أداء المعنى الواحد. فمن الأول ما يعرض بين تشبيه وحيد عصره فضلًا وعلمًا بالمسك من بين الدماء، كما صنع أبو الطيب، أو بالذهب من المعادن كما ورد في الحديث (٣)، أو بالبيض من الدماء، كما قيل في انتقاد بيت أبي الطيب (٤). وطريق


(١) ابن الأثير: المثل السائر، ج ٢، ص ٢٦٥.
(٢) الخوارزمي، محمد بن أحمد بن يوسف: مفاتيح العلوم، تحقيق إبراهيم الأبياري (بيروت: دار الكتاب العربي، بدون تاريخ)، ص ٩٨؛ العسكري: كتاب الصناعتين، ص ٢٦٩ - ٢٧٠؛ الخفاجي: سر الفصاحة، ص ٢٢٦ - ٢٢٧ (وهو ينقل عن قدامة بن جعفر).
(٣) عن أبي هريرة - رضي الله عنه -، قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: "تجدون الناس معادن، خيارهم في الجاهلية خيارهم في الإسلام إذا فقهوا، وتجدون خير الناس في هذا الشأن أشد له كراهية، وتجدون شر الناس ذا الوجهين، الذي يأتي هؤلاء بوجه، ويأتي هؤلاء بوجه". صحيح البخاري، "كتاب المناقب"، الحديثان ٣٤٩٣ و ٣٤٩٦، ص ٥٨٨؛ صحيح مسلم، "كتاب فضائل الصحابة - رضي الله عنهم -"، الحديث ٢٥٢٦، ص ٩٨١.
(٤) قال أبو الطيب:
فَإِنْ تَفُقِ الأَنَامَ وَأَنْتَ مِنْهُمْ ... فَإِنَّ الْمِسْكَ بَعْضُ دَمِ الْغَزَالِ
فانتُقدت القصيدة بقوله قبل: "كأنك مستقيم في محال" غلط، والصواب كأنك مستقيم في اعوجاج. فقيل إن ذلك يفسد عليه التشبيه بالسك من دم الغزال، فأُجيب بأنه يتمكن من أن =

<<  <  ج: ص:  >  >>