للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الموازنة في هذا النظرُ إلى أنزه الأشياء وأقربها لمحاسن الموصوف.

والثاني كالموازنة بين أداء المعنى بالحقيقة أو بالمجاز، وبالتصريح أو بالكناية مثلا. فقد ذكر الأصوليون والبيانيون مقاماتِ العدول عن الحقيقة إلى المجاز (١)، ألا ترى أن المجاز قد يقبح في مقام الجد والحزن - مثلًا - مثل ما ترى في قول بعضهم: "دمعة أمطرتها عيني فأعشب لها قلبي" (٢)؛ إذ لَا تناسبَ بين امتلاء القلب حزنًا وبين اعشيشاب الأرض، بل هو لخلاف المقصود أقرب. وكذا قولُ الزمخشري في رثاء شيخه أبي مُضر:

وَقَائِلَةٍ مَا هَذِهِ الدُّرَرُ الَّتِي ... تَسَاقَطُ مِنْ عَيْنَيْكَ سِمْطَيْنِ سِمْطَيْنِ (٣)


= يقول: "فإن البيض بعضُ دم الدجاج"، وهو كما ترى في الابتذال. - المصنف. قال الميساوي: البيت هو الأخير من قصيدة من خمسة وأربعين بيتًا يرثي فيها المتنبي والدة سيف الدولة عندما جاءه الخبر بموتها إلى حلب سنة ٣٣٧ هـ. أما البيت الذي انتقدت بسببه القصيدة فهو قوله:
رَأَيْتُكَ فِي الَّذِينَ أَرَى ... مُلُوكَا كَأَنَّكَ مُسْتَقِيمٌ فِي مُحَالِ
البرقوقي: شرح ديوان المتنبي، ج ٣، ص ١٥١.
(١) انظر في ذلك مثلًا: الرازي: المحصول، ج ١، ص ٣٣٤ - ٣٣٦؛ الزركشي، بدر الدين محمد بن بهادر بن عبد الله: البحر المحيط في أصول الفقه، تحقيق محمد محمد تامر (بيروت: دار الكتب العلمية، ط ١، ١٤٢١/ ٢٠٠٠)، ج ١، ص ٥٤٥ - ٥٤٧؛ الجرجاني: كتاب أسرار البلاغة، ص ٤٠٨ - ٤٢٢؛ الرازي: نهاية الإيجاز، ص ٩٧ - ٩٨؛ ابن الأثير: المثل السائر، ج ١، ص ٧٨ - ٧٩؛ الجامع الكبير، ص ١٥١ - ١٥٣؛ الرازي: نهاية الإيجاز، ص ٩٧ - ٩٨.
(٢) ذكر الحصري: "قال أعرابِيٌّ في امرأةٍ ودّعها: والله ما رأيت دمعةً ترقرقُ من عينٍ بإثمد على ديباجة خد، أحسن من عبرة أمطرتها عينها فأعشب لها قلبي". الحصري القيرواني، أبو إسحاق: نور الطرف ونور الظرف، تحقيق لينا عبد القدوس أبو صالح (بيروت: مؤسسة الرسالة، ط ١، ١٩٩٦)، ص ٢٩١.
(٣) ابن خلكان: وفيات الأعيان، ج ٥، ص ١٧٢؛ الذهبي: سير أعلام النبلاء، ج ٢٠، ص ١٥٤ (وفيه "تساقطها عيناك" بدل "تساقط من عينيك"). وأبو مضر - كما قال ياقوت - "هو محمود بن جرير الضبي الأصبهاني، أبو مضر النحوي، كان يلقب فريد العصر، وكان وحيد دهره وأوانه في علم اللغة والنحو والطب، يضرب به المثل في أنواع الفضائل، أقام بخوارزم مدة وانتفع الناس بعلومه ومكارم أخلاقه، وأخذوا عنه علمًا كثيرًا، وتخرج عليه جماعة من الأكابر في اللغة والنحو، =

<<  <  ج: ص:  >  >>