للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[البكري]. . ." (١) إلخ.

فكان الظاهرُ أن يبدأ بذكر دخولِ خيل أخي غامد للأنبار، ويبني عليه بيانَ سببِه من تواكلهم وتباطئهم، وأن ذلك شأنُ كلِّ مُتَوَاكِل. لكنه أخره حين دعتِ المناسبةُ لتقديم ذكرِ تواكلِهم، وأنه مُسَبَّبٌ عن ذُلِّهِم المُسَبَّبِ عن تركِ الجهاد المأمور به، فكان لذلك تعلق بطالع الخطبة.

وأما الإنشاءُ فمُقتضى الظاهرِ ترتيبُ المعانِي على حسبِ حُصولِها كما قلنا، وقد يُعدَلُ عن ذلك لأغراض. وأما ترتيبُ الخبر مع الإنشاء، فالأصلُ فيه تقديمُ المقدماتِ على النتائج، ولا يُعْكَسُ إلا لغرض، مثل قول عيسى بن طلحة [بن عبيد الله] حين دخل على عروة بن الزبير لما قُطعت رجلُه: "ما كنا نُعدُّك للصراع، والحمد لله الذي أبقى لنا أكثرَك: أبقى لنا سمعَك وبصرك، ولسانَك وعقلك، و [يديك] وإحدى رجليك. فقال له عروة: والله ما عزاني أحدٌ بمثل ما عزيتني به". (٢) فلو قَدَّم قولَه: "الحمد لله الذي أبقى لنا أكثرك لكان يُشبِهُ الشماتةَ: أنه يحمد الله له على قطع رجله، فلا تهتدي النفسُ إلى مراده إلا حين يقول له: "ما أعددناك للصراع"؛ لأن النفوسَ عند الخطاب جَفِلاتٌ إذا هي نفرت، فربما ضلت عن طريق الحق.

وأما الجزالةُ والسُّهولةُ والرِّقَّةُ فهي مراتبُ للمعاني المستفادة من الكلام. فالجزالةُ (٣) شِدَّةٌ في المعنى تقرب من حد الإرهاب أو تبلغه، بحيث تُؤْذِنُ بعدم


(١) قال المبرد حسان بن حسان عامل علي، وفي نهج البلاغة زيادة لفظ "البكري". - المصنف. ما أثبته المصنف هنا هو نص الخطبة كما جاءت في: نهج البلاغة، ص ٤٥ - ٤٦. وقد أوردها المبرد مع حذف بعض الجمل والعبارات منها، وهي خطبةٌ مطولة فيها الكثير من النكت اللغوية والبلاغية والحكمية والخلقية والسياسية، وقد أولاها المبرد اهتمامًا كبيرًا لبيان تلك المقاصد واستجلاء تلكم المعاني. الكامل في اللغة والأدب، ج ١، ص ٥٠ - ٥٦. وانظرها كذلك في الجاحظ: البيان والتبيين، ج ١/ ٢، ص ٣٥.
(٢) الجاحظ: البيان والتبيين، ج ١/ ٢، ص ٤٥.
(٣) راجع للمصنف مزيدَ بيانٍ لمعنى الجزالة والرقة ومقاماتهما وشروطهما في مقال "الجزالة" و"شرح المقدمة الأدبية للمرزوقي" في هذا المحور.

<<  <  ج: ص:  >  >>