للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الثالثُ أن يحصلَ مِنْ بعضِ صِيَغِ الاشتقاقِ ما يُوهِمُ معنًى مُسْتَبْشَعًا، مثل أنْ يُشتَقَّ مِنْ "همَّه الأمرُ" وزن فاعلة، فيقال عرضت له نازلة هامة، أي مهمة، فيُتَوَهَّم أنها الهامةُ بمعنى الدَّاهِية.

الرابعُ أن يكونَ معنى الكلمةِ سخيفًا، فيجب على الكاتبِ إنِ اضطر إلى التعبير عن مدلولها أن يتنَكَّبَ عنها إلى مسالك الكناية تنزيهًا للسان، كما جاء في القرآن العظيم: {أَوْ لَامَسْتُمُ النِّسَاءَ} [النساء: ٤٣؛ المائدة: ٦]، {وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا} [البقرة: ٢٣٥]. ويُغتَفَرُ استعمالُ المبتذَلِ في مقام الهزل، أو الحكاية، أو المشاتمَة، مثل ما وقع في أوائل رسالة ابن زيدون المشهورة برسالة ولادة (١).


= والبيتُ الأول هو الثالثُ قبل الأخير من قصيدة في ثمانية وثلاثين بيتًا بعنوان "عقل المجيز عقل المجاز"، قالها المتنبي بدمشق يمدح أبا بكر علي بن صالح الروذباري الكاتب. والخازباز "حكاية صوت الذباب، ثم سمي به الذبابُ نفسه. يقول [لممدوحه]: أنت طب بالشعر ناقد له، وغيرك لا يعرف الشعرَ ولا يميز جيده من رديئه، فيجوز عليه شعراء يهذون بما لا حفل له كأنهم الذباب حين يطن"، قاله البرقوقي. أما الثاني فهو التاسع والعشرون من قصيدة في سبعة وأربعين بيتًا قالها يمدح سيف الدولة ويذكر إيقاعه ببني عقيل وقشير وبني عجلان وكلاب لما عاثوا في بعض نواحي ملك الممدوح. وملمومة صفة لكتيبة، وسيفية نسبة لسيف الدولة، ورَبَعية نسبة إلى ربيعة. البرقوقي: شرح ديوان المتنبي، ج ٢، ص ٢٩١ - ٢٩٢؛ ج ٣، ص ٦٧.
(١) هي رسالة هزلية كتبها ابن زيدون على لسان ولادة إلى ابن عبدوس منافسه في الحب والسياسة جاء في مقدمتها: "أما بعد أيها المصاب بعقله، المورَّط بجهله، البَيِّنُ سَقَطه، الفاحش غلطه، العاثر في ذيل اغتراره، الأعمى عن شمس نهاره، الساقط سقوط الذباب على الشراب، المتهافت تهافت الفراش إلى الشهاب. . ." الرسالة الهزلية ضمن ديوان ابن زيدون ورسائله، تحقيق علي عبد العظيم (القاهرة: نهضة مصر للطباعة والنضر والتوزيع، ١٩٨٠)، ص ٦٣٤ - ٦٣٥. وقد شرحها الصفدي شرحًا واسعًا مفصلًا، متعرضًا لما فيها من نكتٍ ومسائلَ في اللغة والأدب والحكمة والتاريخ وما إلى ذلك من شعب المعرفة. انظر: الصفدي، خليل بن أيبك: تمام المتون في شرح رسالة ابن زيدون، تحقيق محمد أبو الفضل إبراهيم (صيدا/ بيروت: المكتبة العصرية، ١٣٨٩/ ١٩٦٩).

<<  <  ج: ص:  >  >>