للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ولا بد للخطيب من التنبه إلى مواقع النقد والاعتراض، وهي الأشياء التي يُظَنُّ أن في السامعين مَنْ ينكرها لمخالفة اعتقاد أو مخالفة هوى، فيعد ذهنه للجواب عنها. وقد قيل إن عمر بن الخطاب - رضي الله عنه - كان قد أعد لكل حادثة جوابًا (١)، وسيأتي بيانٌ لذلك في الكلام على الخطيب.

وأما كيفيَّةُ الإيضاح والتعبير، فقد قال أبو هلال العسكري: "الرسائل والخطب متشاكلتان في أنهما كلام لا يلحقه وزنٌ ولا تقفية، وقد يتشاكلان أيضًا من جهة الألفاظ والفواصل. فألفاظُ الخطب تشبه ألفاظَ الكتاب في السهولة والعذوبة، وكذلك فواصل الخطبة مثل فواصل الرسائل، ولا فرق بينهما، إلا أن الخطبة يُشافَهُ بها والرسالة يكتب بها". (٢) وقال في الباب الرابع: "أجناسُ الكلام [المنظوم] ثلاثة: الرسائل والخطب والشعر، وجميعها تحتاج إلى حسن التأليف وجودة التركيب". (٣)

وعليه فكلُّ ما قررناه في قسميْ الإنشاء المعنوى واللفظي يجري بعينه ها هنا، ولم نزل نرى الخطابةَ والكتابة تجريان على سنن واحد في اللهجة، وتتلونان تبعًا لأذواق العصورِ المختلفة بلون واحد. إلا أنه لا بد لنا من إيضاح الفرق بين الرسالة والخطبة الذي أشار إليه أبو هلال بقوله: "الفرق بينهما أن الخطبةَ يُشافَهُ بها (بخلاف الرسالة)، " (٤) لكيلا يظُنَّ الواقفُ عليه أن ذلك قصارى الفرق، وإنما هو ينبوعُ فروقٍ كثيرة؛ إذ لا يخلو حالُ الكلام المشافَهِ به من مخالفةٍ لحال الكلام المكتوب المبعوث به. وقد حضر لنا من ذلك فروقٌ كثيرة:

أحدُها أن الخطابة يُشافَهُ بها جمعٌ من الناس، فهي من هذا الوجه أولى باستعمال الألفاظ السهلة التناول للجمهور، مع بساطة المعاني وقلة تركيبها والإغراب فيها.


(١) لم أتمكن من توثيق هذا القول عن عمر - رضي الله عنه -.
(٢) العسكري: كتاب الصناعتين، ص ١٠٢.
(٣) المرجع نفسه، ص ١٢٠.
(٤) المرجع نفسه، ص ١٠٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>