الغرض. ولذلك لم يلزم أن تكون المقدمة صحيفة بل يكفي أن تكون مقبولة مسلمة ولو كانت وهمية.
وقصدُ الخطيب قمعُ الهوى، ومحاولةُ الإصلاح، والهوى حائلٌ قويٌّ دون الحق. فإذا أُرِيدَ الإقناعُ بشيء، فمن الواجب أن لا يَنْقَضَّ عليه، بل يحوم حوله وينتهز الفرصةَ لتحصيله. وبمقدار الظنِّ ببعد نفوس السامعين عن الاعتراف بالحق، ينبغي للخطيب الإبعادُ بالمقدمات. ويتوصل الخطيبُ إلى انتهاز الفرصة التي تقوم مقامَ تطويل المقدمة بالاستعانة بأمور:
أحدُها: المعتقداتُ الثابتة في النفوس، ولو كانت غيرَ صحيحة، كما أشرنا إليه. ويظهر اختيارُ بعضِ طرائقِ الانفعال دون بعض في هذا المجال، وهو من أهم ما يتفطن له الخطيبُ اللبيب. ألا ترى أن النبي - صلى الله عليه وسلم - لما خطب النساءَ ورغَّبهنَّ في الصدقة قال:"يا معشر النساء تصدقن، رُبَّ كاسية في الدنيا عارية يوم القيامة". (١)
(١) جمع المصنف في هذا النص بين حديثين مختلفين، فنصفه الأول - وهو قوله - عليه السلام -: "يا معشر النساء تصدقن" - جزء من حديث رواه البخاري وغيره عن ابن عمر وابن مسعود وأبي سعيد الخدري وأبي هريرة وغيرهم، أن الرسول - صلى الله عليه وسلم - خطب النساء فقال (واللفظ للبخاري): "يا معشر النساء تصدقن، فإني أُريتكن أكثر أهل النار"، فقلن: وبم يا رسول الله؟ فقال: "تُكثرن اللعن، وتكفرن العشير، ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهبَ للب الرجل الحازم من إحداكن"، قلن: وما نقصان ديننا وعقلنا يا رسول الله؟ قال: "أليس شهادة المرأة مثل نصف شهادة الرجل؟ "، قلن: بلى، قال: "فذلك من نقصان عقلها، أليس إذا حاضت لم تصل ولم تصم؟ "، قلن: بلى، قال: "فذلك من نقصان دينها"". صحيح البخاري، "كتاب الحيض"، الحديث ٣٠٤، ص ٥٣؛ صحيح مسلم، "كتاب الإيمان"، الحديث ١٣٢، ص ٥٠ - ٥١؛ سنن الترمذي، "كتاب الإيمان"، الحديث ٢٦١٣، ص ٦١٦؛ المستدرك على الصحيحين، "كتاب النكاح"، الحديث ٢٨٣١، ج ٢، ص ٢٢٦ - ٢٢٧؛ "كتاب الفتن والملاحم"، الحديث ٨٨٤٤، ج ٥، ص ٦٨. أما النصف الثاني - قوله: "رُبَّ كاسية. . ." - فما أخرجه البخاري (واللفظ له) والترمذي عن أم سلمة قالت: "استيقظ النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال: "سبحان الله، ماذا أنزل من الخزائن، وماذا أنزل من الفتن، مَنْ يوقِظ صواحبَ الحجر - يريد به أزواجه حتى يصلين - رب كاسية في الدنيا عارية في الآخرة"". صحيح البخاري، "كتاب"، الحديث ٦٢١٨، ص ١٠٨٢؛ سنن الترمذي، "كتاب الفتن"، الحديث ٢١٩٦، ص ٥٣٠.