للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيه واستسهلاه بلا مَلَالٍ ولا كلال، فذلك يُوشِكُ أن تكونَ القصيدةُ منه كالبيت، والبيت كالكلمة، تَسَالُمًا لأجزائه وتقارنًا، وألا يكون كما قيل فيه:

وَشِعْرٍ كَبَعْرِ الكَبْشِ فَرَّقَ بَيْنَهُ ... لِسَانُ دَعِيٍّ فِي القَرِيضِ دَخِيلِ

وكما قال خلف:

وَبَعْضُ قَرِيضِ الشِّعْرِ أَوْلَادُ عَلَّةٍ ... يَكُدُّ لِسَانَ النَّاطِقِ المُتَحَفِّظِ

وكما قال رُؤبةُ لابنه عقبة، وقد عرض عليه شيئًا مما قاله، فقال: "قد قلتَ لو كان له قران".

وإنما قلنا: "على تخير من لذيذ الوزن"؛ لأن لذيذَه يَطرب الطبعُ لإيقاعه، ويمازجُهُ بصفائه، كما يَطْرَبُ الفهمُ لصوابِ تركيبه، واعتداله نظومه. ولذلك قال حسَّان:

تَغَنَّ فِي كُلِّ شِعْرٍ أَنْتَ قَائِلُهُ ... إِنَّ الغِنَاءَ لِهَذَا الشِّعْرِ مِضْمَارُ

وعيارُ الاستعارة الذِّهْنُ والفطنة، ومِلَاكُ الأمر تقريبُ التشبيه في الأصل حتى يتناسب المشبَّهُ والمشبَّهُ به، ثم يُكتفى فيه بالاسم المستعار؛ لأنه المنقول عما كان له في الوضع إلى المستعار له.

وعيارُ مشاكلة اللفظِ للمعنى وشدةِ اقتضائهما للقافية، طولُ الدربة ودوامُ المدراسة، فإذا حكما بحسن التباسِ بعضها (١) ببعضٍ، لا جفاءَ في خلالها ولا نُبُوَّ، ولا زيادة فيه ولا قصور، وكان اللفظُ مقسومًا على رُتَبِ المعاني: قد جُعِل الأخصُّ للأخص، والأخسُّ للأخس، فهو البريء من العيب. وأما القافيةُ فيجب أن تكون


(١) قال الميساوي: الأولى أن يقال: "التباس بعضهما ببعض"؛ لأن الكلام على اللفظ والمعنى وما ينبغي أن يكون بينهما من مشاكلة، وكذلك الشأن بالنسبة للضمير الملحق بلفظة "خلال" الجائية بعدها، فالأَوْلَى أن يكون على التثنية لمعاده على اللفظ والمعنى. ولا يمكن أن يُعترض علينا بأن الضمير في المحلين عائد إلى اللفظ والمعنى والقافية؛ لأن القافية قد خصها المرزوقي بكلام مستقل بقوله بعدُ: "وأما القافيةُ فيجب. . ." إلخ، فتنَبَّهْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>