للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقُرْآنٌ مُبِينٌ (٦٩)} [يس: ٦٩]، وقال أيضًا: {وَالشُّعَرَاءُ يَتَّبِعُهُمُ الْغَاوُونَ (٢٢٤) أَلَمْ تَرَ أَنَّهُمْ فِي كُلِّ وَادٍ يَهِيمُونَ (٢٢٥)} [الشعراء: ٢٢٤, ٢٢٥]. ولَمَّا كان الأمرُ على ما بينَّاه، وجب أن يكون النثرُ أرفعَ شأنًا وأعلى سمكًا وبناءً من النظم، وأن يكون مزاولُه كذلك، اعتبارًا بسائر الصناعات وبمزاوليها.

وأما السببُ في قلةِ المترسِّلين وكثرة المفلِقين وعِزِّ مَنْ جمع بين النوعين مبرِّزًا فيهما، فهو أن مَبْنَى "الترسُّل" أن يكون واضحَ المنهج، سهلَ المعنى، ممتدَّ الباع، واسعَ النطاق، تدُلُّ لوائحُه على حقائقه، وظواهرُه على بواطنه؛ إذ كان مورُده على أسماعٍ مفترقة: من خاصِّي وعامي، وأفهامٍ مختلفة: من ذكِيٍّ وغبي. فمتى كان متسهَّلًا متساوقًا، ومتسلسلًا متجاوبًا، تساوتِ الآذانُ في تلقيه، والأفهامُ في درايته، والألسُن في روايته، فيَسْمَحُ شاردُه إذا استُدعِي، ويتعجَّلُ وافدُه إذا استُدنِي، وإنْ تطاول أنفاسُ فصوله، وتباعَد أطرافُ حزونه وسهوله.


= وَنَوَّهْتَ لِي ذِكْرِي وَمَا كَانَ خَامِلًا ... وَلَكِنَّ بَعْضَ الذِّكْرِ أَنْبَهُ مَنْ بَعْضِ
المرزوقي، أبو علي أحمد بن محمد بن الحسن: شرح ديوان الحماسة، تحقيق عبد السلام هارون (القاهرة: لجنة التأليف والترجمة والنشر، ط ١، ١٣٧١/ ١٩٥١)، ج ١، ص ١٧، الحاشية رقم ٢. وقلت: بيت أبي نُخيلة هكذا أورده ابن منظور في اللسان والزبيدي في التاج، ورواه الآمدي والقالي بلفظ "من ذكري" بدل "لي ذكري". الآمدي، أبو القاسم الحسن بن بشر: الموازنة بين شعر أبي تمام والبحتري، تحقيق السيد أحمد صقر (القاهرة: دار المعارف، ط ٤، ١٩٩٢)، ج ١، ص ٩٩؛ القالي: كتاب الأمالي، ص ٤١. وجاء في روايات أخر "نبهت" و"أحييت" عوض "نوهت". والشاعر هو أبو نخيلة (وهذا اسمه وكنيته أبو الجنيد) بن حزن بن زائدة بن لقيط بن هدم، من بني حمّان (بكسر الحاء وتشديد الميم)، من سعد بن زيد مناة بن تميم، الحماني السعدي التميمي. شاعر راجز، كان عاقًّا لأبيه، فنفاه أبوه عن نفسه، فخرج إلى الشام فاتصل بمسلمة بن عبد الملك فاصطنعه وأَحسن إِليه وأوصله إلى الخلفاء واحدًا بعد واحد، فأغنوه. ولما نكب بنو أمية وقامت دولة بني العباس، انقطع إليهم ولقّب نفسه بشاعر بني هاشم، ومدحهم وهجا بني أمية، ويقال إنه قال في المنصور أرجوزة يغريه فيها بخلع عيسى بن موسى من ولاية العهد، فسخط علمِه عيسى؛ فهرب يريد خراسان، فأدركه مولى لعيسى فذبحه وسلخ وجهه.

<<  <  ج: ص:  >  >>