للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

غير أن أنصِبَ لما تُصَوِّرُه النعوتُ الأمثلةَ، تفاديًا من الإطالة؛ ولأنه إذا وضح السبيلُ وقعت الهدايةُ بأيسر دليل، والله عزّ وجل الموفِّق للصواب، وهو حسبنا ونعم الوكيل" (١)،

"أنصُب" بضم الصاد: مضارع نصب الشيء إذا رفعه وأظهره (٢). ومنه سُمِّيَ التمثالُ من الحجر نصْبًا، تسميةً بالمصدر. واستعار المؤلفُ هذا الفعلَ لمعنى أذكر وأبين. "النعوتُ" فاعل تصوره، و"الأمثلة" مفعولُ أنصب. ومرادُه بالنعوت التوصيفاتُ الموضِّحةُ للحقائق، والقواعد التي توضع لطرق النقد والاختيار. و"التفادي" التحامي، وهو يتعدّى بمن غالبًا، لا نعلم ضمنوه معنى التباعد. وقوله "لأنه إذا وضح" في النسختين التونسيتين، ونسخة الآستانة "ولأنه".

• "اعْلَمْ أنَّ مذاهبَ نُقَّاد الكلام في شرائط الاختيار مختلفة، وطرائق ذوي المعارف بأعطافها وأردافها مفترقة، وذلك لتفاوت أقدار مَنادحِها على اتساعها، وتنازُحِ أقطار مَظَانِّها ومعالِمها، ولأن تصاريفَ المباني التي هيَ كالأوعية، وتضاعيف المعاني التي هي كالأمتعة في المنثور، اتسع مجالُ الطبع فيها ومسرحُه، وتشعَّب مُرادُ الفكر فيها ومطرحُه" (٣)،

وهذا شروعٌ في إجابة أسئلة الذي جاراه. "المذاهب" أصلها جمع مذهب، وهو مكان الذهاب إلى الطريق، وتطلق كثيرًا على الآراء والأفكار، سمَّوها مذاهب لأنها كالطرائق يذهب فيها الفكرُ فمثلوا حركةَ الفكر في معلومات خاصة بمشي الماشي في طريق وذهابه فيه. فهذا الإطلاقُ استعارة، ثم شاع عند أهل العلوم فصار حقيقةً عرفية علمية في مجموع المسائل العلمية النظرية التي أخذ بها طائفةٌ من علماء علم ما، فيقال مذهب مالك ومذهب أبي حنيفة، ويقال مذهب البصريين ومذهب الكوفيين.


(١) نشرة هارون، ج ١، ص ٥.
(٢) قال الميساوي: الصواب كسر الصاد لا ضمها في "أنصِب"، وهو من باب خرق يخرِق.
(٣) نشرة هارون، ج ١، ص ٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>