(٢) لأبي سليمان السجستاني المنطقي الفيلسوف كلامٌ لطيف في المفاضلة بين النثر والنظم قرر فيه أن "النثر أشرف جوهرًا، والنظم أشرف عرَضًا"، وعلَّل ذلك تعليلًا فلسفيًّا بأن "الوحدة في النثر أكثر، والنثر إلى الوحدة أقرب، فمرتبة النظم دون مرتبة النثر، لأن الواحد أول، والتابع له ثان". ثم قال: "ومما يشهد لهذا الرأي الذي نصرناه، والمعنى الذي اجتبيناه، أن الكتب السماوية وردت بألفاظ منثورة، ومذاهب مشهورة، حتى إن مَنْ اصطُفِيَ بالرسالة في آخر الأمر غلبت عليه تلك الوحدة، فلم ينظم من تلقاء نفسه، ولم يستطعه، ولا أَلقَى إلى الناس عن القوة الآلهية شيئًا على ذلك النهج المعروف، بل ترفع عن ذلك، وخص في عرض ما كانوا يعتادونه ويألفونه، بأسلوب حيَّر كلَّ سامع، وبرَّد غلة كل مصيخ، وأرشد كلَّ غاو، وقوَّم كل معاند، وأفاد كلَّ لبيب، وأوجد كل طالب، وخسَّأ كل مُعرض، وهدى كل ضال، ورفع كل لبس، وأوضح كل مشكل، ونشر كل علم، وأفاء كل شارد، وقمع كل مارد". التوحيدي، أبو حيان: المقابسات، تحقيق محمد توفيق حسين (بيروت: دار الآداب، ط ٢، ١٩٨٩)، ص ٢٢٢ - ٢٢٣ (المقابسة الخامسة والستون) (٣) وفي ذلك يقول: "والدليل على ذلك (أي على تفضيل الكلام المنثور على المنظوم) من أربعة أوجه: الأول أن القرآن الكريم ورد نثرًا، ولولا فضله وعلو درجته لما نزل كتاب الله - عز وجل - على أسلوبه ونهجه، وأيضًا فإن معجزة الرسول - صلى الله عليه وسلم -. ومن المعلوم أن المعجزات لا تجيء إلا من طريق الأصعب، بحيث إنه لا يمكن أحدًا من خلق الله الوصول إليها والإتيان بمثلها. ولما كان النثر من الأقوال الشاقة والأشياء المتصعبة، أنزل الله تعالى القرآن الذي هو معجزة على قانونه". ابن الأثير: الجامع الكبير، ص ١٩٧.