للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الغايات لنفسه فيه، اختلفت فيهما الإصابتان، لتباين طرفيهما، وتفاوت قُطريهما، فبعد (١) على القرائح الجمعُ بينهما" (٢)،

انتقل المؤلفُ إلى بيان فضل النثر البليغ على الشعر البليغ في عصور دول الإسلام، وجمع هنا الجوابَ عن مسألتين: مسألة السبب في قلة المترسِّلين من الكتاب وكثرة المفلقين من الشعراء، ومسألة السبب في عزة مَنْ يجمع بين الترسل والشعر.

وابتدأ بجواب المسألة الثانية في سبب عزة الجمع بين الترسل والشعر بقوله: "فهو أن مبنى الترسل" إلى قوله "أولى وأخص". وحاصلُ السببِ أن مقتضى الصناعتين مختلف، فكان ذلك الاختلافُ سببًا في نُدرة العقول التي تُجيدُ كلتا الصناعتين؛ لأن العناية بأحد الأسلوبين وإجادتَه تُباعد الفكرَ عن الاهتمام بالآخر والاشتغال به. والانصرافُ والتوجُّهُ إلى إحدى الصناعتين حتى تستولِيَ على الذهن هو أمرٌ يتبع اختلافَ توجهِ النفوس وميلها.

وقوله: "فَيَسمح شاردُه إذا استُدعي، ويتعجَّل وافدُه إذا استُدنِي"، بفتح حرف المضارعة في يسمح ويتعجل مبنيين إلى الفاعل. وأراد بـ "الشارد" المعنى العزيزَ الممتنِع، وبـ "الوافد" المعنى السهل. استعار الشاردَ للنادر لقلة حضوره، واستعار الوافدَ للسهل؛ لأنه كالذي يأتي بدون استدعاء. واستعار لمحاولة اختراع المعنى النادر وللتمكُّنِ من تقويمه في الذهن فعلَيْ التعجل والاستدناء؛ لأن الوافدَ يُستدنَى للإكرام والقِرى.

وقوله: "وإنْ تطاول أنفاسُ فصوله. . ." إلخ، مبالغةٌ في أحوال تأثير الترسُّلِ على (٣) الأسماع والأفهام، أي تساوت الأفهامُ في درايته، والألسنُ في روايته، في جميع


(١) في نسخة "وبعد". المصدر نفسه.
(٢) المصدر نفسه، ص ١٨ - ١٩.
(٣) الأصح والأفصح أن يقال: "في".

<<  <  ج: ص:  >  >>