للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والزندقة اسم اشتقه العرب من كلمة "زندو" - بالفارسية - الدالة على كتاب السفر المقدس الذي يقال بالفارسية "الزندوفستا"، وهو كتاب ماني الذي يُدعى أتباعُه المانوية (١). ويقال لهم الثنوية؛ لأنهم يثبتون إلهين اثنين. فقالوا: تزندق إذا اعتقد اعتقاد مجوس الفرس، أي انتسب للزندو. ثم اشتقوا منه "زندقة" للاعتقاد، و"زنديق" للمعتقد، ثم أطلقوه على من يُسِرُّ هذا الاعتقاد، فلا يسمّون المتظاهر بالمجوسية زنديقًا. ثم صار اسم الزندقة اسْمًا علَميًّا في الفقه، يدل على مَنْ يُظهر الإسلام ويبطن الكفر، سواء كان كفره باعتقاد المجوسية الفارسية أم بالدهرية أم بغير ذلك، ولذلك قالوا: الزنديق يرادف المنافق، وخصّوا المنافقَ بمبطن الكفر في زمن الرسول - عليه السلام - والزنديقَ بمبطن الكفر بعد ذلك الزمن.

وكان مِمَّا يَصير به المرءُ معرَّضًا إلى تهمة الزندقة أن يكون فارسيَّ الأصل، أو أن يُؤْثَرَ عنه بُغْضُ العرب، أو أن يكون من أهل الخلاعة والمجون أو المزح في الأمور الراجعة إلى العبادات، أو أن يكون منكِرًا لشيء من أصول الشيعة العباسية، أو أن يكون لا يحفظ من القرآن شيئًا - فقد أُخِذ بذلك محمد بن أبي عبيد الله وزيرِ المهدي، حسبما ذكره ابن الأثير في حوادث سنة ١٦١ هـ (٢). هذا والمهديُّ لم يكن له من أصالة الرأي ما كان للمنصور والسَّفاح، فأغْرَق في تقصِّي أحوال الناس والرمي بالزندقة.


= ذلك ليذهبن بالثناء والذكر، ولترجعن بالمقالة من العامة عليك، فمزق [المنصور] الكتاب". وهذا يعني - على عكس ما ذكر المصنف من قبل - أن المنصور لم يعزل محمد بن سليمان.
(١) الزندقة - كما ذكر المصنف - اسم اشتقه العرب من كلمة "زندو" الفارسية، الدالة على كتاب الفرس المقدَّس الذي يقال له "الزندوفستا" (Zindvesta) وهو كتاب ماني (Mani) بن فاتك الحكيم المولود سنة ٢١٥ أو ٢١٦ بعد ميلاد المسيح - عليه السلام -, والذي ظهر في زمان سابور بن أردشير، وقتله بهرام بن هرمز بن سابور سنة ٢٧٥ م. وقد أحدث دينًا بين المجوسية والنصرانية، وكان يقول بنبوة المسيح، ولا يقول بنبوة موسى عليهما السلام، وتعرف نحلته بالمانوية (Manicheism) وبها يسمى أتباعه (Manicheists)، ويقال لهم كذلك الثنوية؛ لأنهم يثبتون إلهين. وقد كان القديس أوغسطين من أتباع هذه الديانة قبل اعتناقه المسيحية.
(٢) ابن الأثير: الكامل في التاريخ، ج ٥، ص ٢٣٨ - ٢٣٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>