للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد كان تلقيبُ أبي جعفر المنصور ابنَه محمدًا بالمهدي تَمهيدًا إلى تأييد الدولة به، وإيهام أنه المهديُّ الذي يزعمه الشيعة والذي جعلوا ظهوره فيما يسمونه بآخر الزمان من أصول اعتقادهم وتأييد الدين به، ووضعوا في ذلك آثارًا رَوَوْها. يدلنا على ذلك أن بعض السلف كان يُنكر هذا اللقب، فقد ذكر الغزالي في كتاب الأمر بالمعروف من "إحياء علوم الدين" أن ابن أبي ذئبٍ وسفيان الثوري حضرَا مجلسًا وَعَظَ فيه ابنُ أبي ذئب أبا جعفر المنصور، وقال له في آخر الوعظة: والله إني لأنصحُ لك من ابنك المهدي، فلما انصرف ابن أبي ذئب قال له سفيان: لقد سرَّني ما خاطبت به هذا الجبَّار، ولكن ساءني قولك له: "ابنك المهدي"، فقال ابن أبي ذئب: "يغفر الله لك يا أبا عبد الله، كلنا مهديٌّ، كلنا كان في المَهْد" (١).

فأراد المهدي أن يَظْهرَ في مظهر المؤيِّد للدين، المحيي لعقيدة الإسلام وسيرة السلف، فأظهرَ من ذلك ثلاث خلال شهد بها التاريخ، وهي: [الأولى] الشدة في تقصّي الزندقة، و [الثانية] الإعراض عن الشعر الغزلي، حتى نهى بشارًا عن الغزل (٢)، وحتى أعرض شاعرُه أبو العتاهية عن ذلك الشعر وقَصَر شعرَه على الزهد والحكمة (٣). والثالثة إفراطه في الغيرة على النساء وإغلاظ الحجاب، ليحقق بذلك أنه المهدي المنتظر. ولذلك ظهر في زمانه الحديث الموضوع: "المهدي منا، واسمه يواطئ اسمي، واسم أبيه يواطئ اسم أبي" (٤)، والخليفة المهدي اسمه محمد بن عبد الله، وهو ابن عم الرسول، فهو منه. وقد مدحه ابنُ المَوْلَى محمد بن مولَى الأنصار بقوله:


(١) الغزالي، أبو حامد محمد بن محمد: إحياء علوم الدين (بيروت: دار الكتب العلمية، ط ١، ١٤٢٣/ ٢٠٠٢) , ج ٢، ص ٤٦٤ - ٤٦٥.
(٢) الأصفهاني: كتاب الأغاني، ج ٣، ص ١٨٢ - ١٨٣ (نشرة القاهرة)؛ الأغاني، ج ١/ ٣، ص ٦٧٢ (نشرة الحسين).
(٣) لم أتمكن من توثيق هذا الذي قرره المصنف هنا.
(٤) انظر مناقشة المصنف لهذا الحديث وأمثاله في مقال "المهدي المنتظر" من المحور الثاني.

<<  <  ج: ص:  >  >>