للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقد ذكر الأستاذ أبو منصور عبد القاهر البغدادي (١) في كتاب "الفَرْق بين الفِرَق" قصيدةً لصفوان الأنصاري ردًّا على بشار في قوله بتفضيل النار (٢). وجاء في "رسالة الغفران" للمعري مما نسب إلى بشار:

إِبْلِيسُ أَفْضَلُ مِنْ أَبِيكُمْ آدَم ... فَتَنَبَّهُوا يَا مَعْشَرَ الفُجَّارِ

النَّارُ عُنْصُرُهُ وآدَمُ طِيَنَةٌ ... وَالطِّينُ لَا يَسْمُو سُمُوَّ النَّارِ (٣)

ولا يكاد الذكيُّ الفطنة السليم الذوق يقرّ ذلك، وتروج عنده صحةُ نسبة مثل هذا الشعر إلى بشار لا معنًى ولا لفظًا، ولا في مجاري أرباب العقول، فإنا لو تنزّلنا إلى تصحيح احتمال أنه كان يعتقد مثل هذه السخافات - بعد نشأته في الإسلام وتضلعه في علم الكلام - أليس ينهاه نُهاه عن التصريح بما يراه؟

فأما اتهامُه في المذاهب والنحل الإسلامية، فقد قيل إنه كان رافضيًّا يدين بالرَّجعة (والرَّجعةُ بفتح الراء عند جمهور أهل اللغة، وحكى عياض في شرح صحيح مسلم في المقدمة جوازَ كسرِ الراء) (٤). وفسّروها بأنها قولُ الرافضة بأن عليًّا - رضي الله عنه - في السحاب، وأنه لا يجوز الخروجُ مع أحد من أبنائه وولده حتى ينادي من السماء أن اخرجوا مع فلان، ويتأولون قوله تعالى: {فَلَنْ أَبْرَحَ الْأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي}


(١) هو عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي الأشعري المتوفى سنة ٤٢٩، وكتابه هذا طبع بمطبعة المعارف بمصر سنة ١٣٢٨ على تحريف كثير. - المصنف.
(٢) الإسفرائيني، أبو منصور عبد القاهر بن طاهر بن محمد البغدادي: الفرق بين الفرق، تحقيق مجدي فتحي السيد (القاهرة: المكتبة التوفيقية، بدون تاريخ)، ص ٤٣ - ٤٤. وقد أورد الجاحظ كذلك القصيدة المذكورة، وهي تحتوي على ٣٢ بيتًا من بحر الطويل. البيان والتبيين، ج ١/ ١، ص ٢٦ - ٢٨.
(٣) المعري: رسالة الغفران، ص ٣١٠ (وفيها: "الأشرار" بدل "الفجار")؛ ديوان بشار بن برد، ج ٢/ ٤، ص ٩٢ (الملحقات).
(٤) اليحصبي، أبو الفضل عياض بن موسى بن عياض: إكمال المعلم بفوائد مسلم، تحقيق يحيى إسماعيل (المنصورة/ مصر: دار الوفاء، ط ١، ١٤١٩/ ١٩٩٨)، ج ١، ص ١٤٢ - ١٤٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>