للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إن العصر والحالة اللذين تيسر لبشارٍ أن يوجد فيهما قد كانا بحكم المصادفة سببًا قويًّا خَوَّل مواهبَه الفطرية النادرة أن تظهر في مظهر الشاعر العربي الفائق المعاني الفصيح البليغ. فقد كان عصرُ الدولة الأموية عصرًا نضِجَتْ فيه الحضارةُ العربية الخالصة، وكان آخرُ ذلك العصر هو آخرَ عهدٍ بالأدب العربي السليم من الدخائل، وكان نزولُ قبائل العرب الخُلَّص حول أول مصر إسلامي عربي، وهو البمرة التي ظهر فيها شباب حضارة إسلامية عربية بريئة من العجمة. وكانت نشأةُ بشار بين ظهراني أولئك العرب الأقحاح.

كان كلُّ ذلك عونًا كبيرًا على تكوين شاعرية بشار، وجمعه مخيلةً تحوي دقةَ المعاني الحضرية الجارية على الذوق العربي، من رفاهية وغرام ومجون وأصالة رأي وسعة علم، ثُم من فصاحة الألفاظ وبلاغة المعاني. فإذا افتقدتَ مجموعَ ما تأتَّى له، وجدتَه لم يتَأتَّ لأحد غيره، مِمَّنْ تقدمه ولا لِمَنْ تأخر عنه. فلذلك كان بحق هو أولَ الشعراء المتأخرين من حيث الوجهةُ الأولى، وآخر الشعراء المتقدمين من حيث الوجهةُ الثانية.

فإذا كان الذين تقدموه - مثل النابغة وحسان وعُمر بن أبي ربيعة والعَرْجِي (١) - قد شاركوه في الفصاحة والبلاغة والمعاني القديمة، فإنهم لم يكتسبوا


(١) قال الأصفهاني في نسبه من قبل أبويه: "هو عبد الله بن عمر بن عمرو بن عثمان بن عفان بن أبي العاص بن أمية بن عبد شمس. وقد شرح هذا النسب في نسب أبي قطيفة. وأم عفان وجميع بني أبي العاص آمنة بنت عبد العزى بن حرثان بن عوف بن عبيد بن عويج بن عدي بن كعب. وأم عثمان أروى بنت كريز بن ربيعة بن حيب بن عبد شمس. وأمها البيضاء أم حكيم بنت عبد المطلب بن هاشم بن عبد مناف، وهي أخت عبد الله بن عبد المطلب أبى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، لأمه وأبيه ولدا في بطنٍ واحدٍ. وأم عمرو بن عثمان أم أبان بنت جندب الدوسية. . . [و] لقب العرجي لأنه كان يسكن عرج الطائف. وقيل: بل سمي بذلك لماءٍ كان له ومالٍ عليه بالعرج. وكان من شعراء قريش، ومن شهر بالغزل منها، ونحا نحو عمر بن أبي ربيعة في ذلك وتشبه به فأجاد. وكان مشغوفًا باللهو والصيد، حريصًا عليهما، قليل المحاشاة لأحدٍ فيهما. ولم يكن له نباهةٌ في أهله، وكان أشقر أزرق، جميل الوجه. وجيداء التي شبب بها هي أم محمد بن هشام بن =

<<  <  ج: ص:  >  >>