للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَعَلِمْتُ أَنَّ الصَّرْمَ شِيمَتُكُمْ ... فِي النَّأْيِ وَالهِجْرَانِ فِي القُرْبِ

فضَلَلْتُ لَا أَدْرِي: أُقِيمُ عَلَى الـ ... ـهِجْرَانِ أَوْ أَغْدُو مَعَ الرَّكْبِ (١)

فقولُه: "أو أغدو مع الركب" قابَل به قولَه: "أقيم على الهجران" فلم يعجزه الميزان ولا القافية إذ عبر عن السفر بأغدو مع الركب، وكذا قوله فيها:

نَادَيْتُ: إِنَّ الحُبَّ أَشْعَرَنِي ... قَتْلًا وَمَا أَحْدَثْتُ مِنْ ذَنْبِ (٢)

فقوله: "أشعرني قتلًا" دون أن يقول: "قتلني" لتجنّب الابتذال. وأما بلاغته فقد شهد له بها أئمّة البلاغة وفحول الشعراء، وكانت أبياته شواهد في ذلك، مثل قوله:

كَأَنَّ مُثَارَ النّقْعِ فَوْقَ رُؤُوسِهِمْ ... وَأَسْيَافَنَا ليلٌ تهَاوَى كَوَاكِبُهْ (٣)

وغير ذلك.

وقد وجدتُ له أربعَ استعارات في مصراع بيت، وهو قوله (في الورقة ١٤٩):

غَابَ القَذَى فَشَرِبْنَا صَفْوَ لَيْلَتِنَا ... حِبَّيْنِ نَلْهُو وَنَخْشَى الوَاحِدَ الصَّمَدَا (٤)

فإنه شبّه الرقيب بالقذى، لأنه يكدر عليه التذاذه بالحبيب، كما يكدر القذى الالتذاذ بالخمر، وهي تصريحية، وشبّه الليلة بالخمر على طريقة المكنيَّة، ورمز بقوله


(١) ديوان بشار بن برد، ج ١/ ١، ص ٢٤٠. وقد جاء في البيت الأول لفظ "وليلكم" بدل "وليلتكم"، وفي الثالث لفظ "فظَلِلْت" بدل "فضللت". والأبيات من قصيدة من تسعة وعشرين بيتًا من بحر الكامل قالها في عبدة.
(٢) المصدر نفسه، ج ١/ ١، ص ٢٣٩. والبيت من القصيدة نفسها المذكورة في الحاشية السابقة.
(٣) المصدر نفسه، ج ١/ ١، ص ٣٣٥. والبيت من قصيدة قالها بشار يمدح مروان بن محمد بن مروان ويفتخر بقيس عيلان، وهي تتكون من أربعة وثمانين بيتًا من بحر الطويل.
(٤) المصدر نفسه، ج ١/ ٢، ص ١٤٢. والبيت من قصيدة من بحر البسيط قالها في النسيب بسعدى، وهي تشتمل على تسعة وخمسين بيتًا.

<<  <  ج: ص:  >  >>