للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما أبواب الشعر فقد طرقها كلَّها وأبدع فيها. فباب الهجاء قد اشتهر به بشار ونبغ فيه، وقد قال: إنه هجا جريرًا في صغره فأعرض عنه جرير (١). وكان الشرُّ قد نشأ بين حماد عجرد وبشار، فكانا يتقارضان الهجاء، فأجمع أئمةُ الأدب بالبصرة على أنه ليس في هجاء حمادٍ بشارًا شيءٌ جيد إلا أربعين بيتًا معدودة، وأن لبشار في حماد من الهجاء أكثر من ألف بيت جيد. وقد روى أبو العيناء أن الرشيد سأل الأصمعي عن أهجى بيت قالته العرب، فقال له الأصمعي: قول الحُطيئة:

قَوْمٌ إِذَا اسْتَنْبَحَ الأضْيافُ كَلْبَهُمُ ... قَالُوا لأُمِّهُم: بُولِي عَلَى النَّارِ

فَتُمْسِكُ البَوْلَ بُخْلًا أَنْ تَجُودَ بِهِ ... فَمَا تَبُولُ لَهُمْ إِلَّا بمِقْدَارِ (٢)

فقال الرشيد: أهجى منه قولُ بشار:

إِذَا أَنْكرْتَ نِسْبَةَ بَاهِلِيٍّ ... فكَشِّفْ عَنْهُ حَاشِيَةَ الإِزَارِ

عَلَى أسْتَاهِ سَادَتِهمْ كِتَابٌ ... مَوَالِي عَامِرٍ وَسْمًا بِنَارِ (٣)


(١) قال بشار: "هجَوْتُ جريرًا فأعرض عني واستصغرني، ولو أجابني لكنتُ أشعرَ الناس"، وفي رواية: "فاستصغرني وأعرض عني، ولو أجابني لكنت أشعر أهل زماني". كتاب الأغاني، ج ٣، ص ١٤٣ - ١٤٤ (نشرة القاهرة)؛ كتاب الأغاني، ج ١/ ٣، ص ٦٤٦ - ٦٤٧ (نشرة الحسين).
(٢) البيتان ليسا للحطيئة على الأرجح، فهما غيرُ موجودين في ديوانه برواية ابن السكيت وشرحه (تحقيق نعمان محمد أمين طه، نشر مكتبة الخانجي بالقاهرة، ١٤٠٧/ ١٩٨٧) ولا في غير هذه النشرة (انظر مثلًا نشرة دار المعرفة ببيروت بعناية حمدو طمَّاس الصادرة سنة ١٤٢٦/ ٢٠٠٥). وهما للأخطل من قصيدة من بحر البسيط قالها في هجاء جريرٍ وقومه، ومطلعها:
مَا زَالَ فِينَا رِبَاطُ الخَيْلِ مُعَلَّمَةً ... وَفِي كُلَيْبٍ رِبَاطُ الذُّلِّ وَالعَارِ
ديوان الأخطل، نشرة بعناية مهدي محمد ناصر الدين (بيروت: دار الكتب العلمية، ط ٢، ١٤١٤/ ١٩٩٤)، ص ١٦٦.
(٣) الأصفهاني: كتاب الأغاني، ج ٣، ص؛ ديوان بشار بن برد، ج ٢/ ٣، ص ٢٤٣ - ٢٤٤. والبيتان من قصيدة من واحد وثلاثين بيتًا من بحر الوافر قالها في هجاء باهلة. وفي الديوان أثبت المحقق في البيت الأول "فرَفِّعْ"، كما أثبت "ناحية الإزار" بدل "وحاشية الإزار". وكذلك أثبت "وسمٌ" =

<<  <  ج: ص:  >  >>