للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوالب لفظية تناسب أذواقَ عصورهم، وأقبل الناسُ على شعر أبي تمام والبحتري زمانًا. وقد ذكروا أن أبا الطيب كان يحفظ ديوانَيْ أبي تمام والبحتري ويجحدهما (١).

على أن ظهورَ ديوان أبي الطيب المتنبي وإقبالَ أهل الأدب عليه من نواح كثيرة قد كانت له يدٌ قوية في التعفية على دواوين الشعراء الذين قبله، مثل بشار وابن الرومي ومهيار وأبي العتاهية وأبي تمام وغيرهم من المكثرين. وقد قال الواحدي في ديباجة شرحه لديوان أبي الطيب: "وإن الناس منذ عصر قديم قد ولّوا جميعَ الأشعار صفحة الإعراض، مقتصرين على شعر أبي الطيب المتنبي، نائين عما يُرْوى لسواه، وإن فاته وجاوز في الإحسان مداه". (٢) وقال في خاتمة الشرح: "إن ما دعانِي إلى تصنيف هذا الكتاب هو اجتماعُ أهل العصر قاطبة على هذا الديوان، وشغفُهم بحفظه وروايته، وانقطاعُهم عن جميع أشعار العرب جاهليًّا وإسلاميًّا إلى هذا الشعر، واقتصارهم عليه في تمثلهم، ومحاضراتهم، وخطبهم، ومقاماتهم، حتى كأنّ الأشعارَ كلها فُقدت". (٣)


(١) ذكر الأصفهاني نقلًا عن أبي الطيب اللغوي الحلبي (المتوفَّى سنة ٣٥١ من الهجرة) أنه "قيل للمتنبي: معنى بيتك هذا أخذته من قول الطائي. فأجاب المتنبي: الشعر جادة، وربما وقع حافرٌ على حافر. وكان المتنبي يحفظ ديواني الطائيين [أبي تمام والبحتري]، ويستصحبهما في أسفاره، ويجحدهما. فلما قُتل تُوُزِّعتْ دفاترُه، فوقع ديوان البحتري إلى بعض من درس عليَّ وذكر أنه رأى خطَّ المتنبي وتصحيحَه فيه". الأصفهاني، أبو القاسم عبد الله بن عبد الرحمن: الواضح في مشكلات شعر المتنبي ويليه سرقات المتنبي ومشكل معانيه، تحقيق الأستاذ الإمام الشيخ محمد الطاهر ابن عاشور (القاهرة: دار السلام، ١٤٣٠/ ٢٠٠٩)، ص ١٠.
(٢) ديتريصي، فريديخ: ديوان أبي الطيب المتنبي وفي اثناء متنه شرح الإمام العلامة الواحدي (برلين: مطبعة ميتلر، ١٨٦١)، ص ٣.
(٣) لم أجد هذه العبارة في نشرة برلين التي تهيأ لي الاطلاع عليها، والتي تنتهي بقول الواحدي في شرح بيت المتنبي:
حَيِيٌّ مِنْ إِلَهِي أَنْ يَرَانِي ... وَقَدْ فَارَقْتُ دَارَكَ وَاصْطَفَاكَا
"والمعنى ما قاله (يقصد ابن جني)، فالرواية الصحيحة بفتح الطا". ولعل المصنف اعتمد في هذا النقل على نسخ غير التي بين يدي. وهذا البيت هو الأخير من قصيدة هي آخر شعر قاله المتنبي =

<<  <  ج: ص:  >  >>