للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذكر أبو الطاهر التجيبي في شرح مختار المختار (١) أن سلمًا وأبا نواس وداود بن رزين وغيرهم كانوا يصبون على قوالب معاني بشار، وربما نبه بعضُهم على بعض في الأخذ منه واتباع طريقته، قال أبو نواس في داود بن رزين:

إِذَا أَنْشَدَ دَاوُدُ ... فَقُلْ أَحْسَنَ بَشَّارُ

لَهُ مِنْ شِعْرِهِ الجَمِّ ... إِذَا مَا شَاءَ أَشْعَارُ

وَمَا مِنْهَا لَهُ شَيْءٌ ... أَلَا هَذَا هُوَ العَارُ (٢)

وذكر يوسف البديعي في كتاب "الصبح المنبِي" عن علي الجرجاني أن البحتري أحرق خمسمائة ديوان للشعراء حسدًا لئلا تشتهر أشعارُهم (٣). وغيرُ بعيدٍ عندي أن يكون ديوانُ بشار في جملة ما أحرق البحتري؛ لأن شعر البحتري يشبه لهجةَ شعر بشار في طريقة انسجامه وفصاحته.

وقد عز ديوان بشار في أنحاء العالم فيما علمنا وعلمه النقابون عن المآثر الأدبية العربية من علماء الشرق والغرب، فلا يُلفَى من شعره إلا قصائدُ قليلة


(١) انظر صفحة ٤٧. - المصنف. انظر: التُّجيبي البرقي، أبو الطاهر إسماعيل بن أحمد بن زيادة الله: المختار من شعر بشار (اختيار الخالديين) وشرحه، اعتنى به السيد محمد بدر الدين العلوي (القاهرة: مطبعة الاعتماد لصاحبها محمود الخضري، ١٣٥٣ هـ)، ص ٤٧ - ٤٨.
(٢) ديوان أبي نواس، ص ٣٣٨.
(٣) ونص كلام الجرجاني: "وأظنك قد سمعت أو انتهى إليك أن البحتري أسقط خمسمائة شاعر في عصره، فما يؤمنني من وقوع بعض أشعارهم إلى غيري؟ " الجرجاني: الوساطة بين المتنبي وخصومه، ص ١٤٠. ومن هنا أرى من المناسب جلب كلام البديعي الذي بناه على كلام الجرجاني لما فيه من دلالة: "وذكر القاضي أبو الحسن علي بن عبد العزيز أن البحتري على ما بلغه أحرق خمس مئة ديوان للشعراء في أيامه حسدًا لهم لئلا تشتهر أشعارُهم، وتُنشر محاسنهم وأخبارُهم. فمن أين لهؤلاء المتعصبين للمتنبي أنه سبق جماعتهم في مضماره، ولم يقتبس من بعضها محاسن أشعاره؟ وهل للذين يتدينون بنصرته بصائرُ بحسن المأخذ، ولطف المتناوَل، وجودة السرقة، ووجوه النقل، وإخفاء طرق السلب، وتغميض مواضع القلب، وتغيير الصنعة والترتيب، وإبدال البعيد بالقريب، وإتعاب الخاطر في التثقيف والتهذيب، حتى يدَّعوا علمَ الغيب في تنزيهه عن السرقات التي لا تَخفى صورُها على ناقد، وتبرئته عن المعايب التي يشهد عليه بها ألفُ شاهد؟ " البديعي: الصبح المنبي، ص ١٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>