للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إذا غَيَّر النأيُ المُحِبِّينَ لَمْ أَجِدْ ... رَسِيسَ الهَوَى مِنْ حُبِّ مَيَّةَ يَبْرَحُ

وفي رواية: لم تجد. قال عنبسة: فلما انصرفت حدثت أبي (١) بما كان، فقال لي: أخطأ ابن شبرمة حين أنكر على ذي الرمة، وأخطأ ذو الرمة حين غير شعره لقول ابن شبرمة، إنما هذا كقول الله تعالى: {إِذَا أَخْرَجَ يَدَهُ لَمْ يَكَدْ يَرَاهَا} [النور: ٤٠]، وإنما هو لم يرها ولم يكد" (٢).

هذا ما نقل من هذا المشهد الأدبي الرائع. فوجه ما انتقده ابن شبرمة على ذي الرمة أنه شاع في كلامهم أن يقال: ما كاد فلان يفعل ولم يكد يفعل، في أمر هو قد وقع إلا أنه ما وقع إلا بعد لأيٍ وعناء، وقد كان بعيدًا في الظن أن يفعله، كقوله تعالى: {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (٧١)} [البقرة: ٧١]، قال في الكشاف: "قوله {فَذَبَحُوهَا وَمَا كَادُوا يَفْعَلُونَ (٧١)} [استثقال لاستقصائهم] واستبطاء لهم، وأنهم لتطويلهم المفرط [وكثرة استكشافهم] ما كادوا يذبحونها و [ما كادت] تنتهي سؤالاتهم" (٣)، أي ثم انتهت، فلما قال ذو الرمة: "لم يكد رسيس الهوى من حب مية


(١) قال محقق "دلائل الإعجاز" العلامة محمود محمد شاكر: "حدثت أبي" قائله غيلان بن الحكم، وأبوه هو الحكم بن البخترى بن المختار. دلائل الإعجاز، ص ٢٧٥ (الحاشية رقم ١).
(٢) الجرجاني: دلائل الإعجاز، ص ٢٧٤ - ٢٧٥. هذا وقد أورد المصنف كلام عنبسة الفيل بتصرف، كما أن البيت الأول من قصيدة ذي الرمة الحائية التي أنشدها بالكناسة لم يذكره عنبسة حسب ما حكاه عنه الجرجاني، وإنما ذكر الأبيات الثلاثة الآتية:
هي البُرءُ والأسقامُ والهمُّ والمُنى ... وموتُ الهوى في القلب منِّي المبرِّحُ
وَكَان الهوى بالنأيِ يُمحَى فيمَّحي ... وحبكِ عندي يستجِدُّ ويربَحُ
إذا غَيَّر النَّأْيُ المُحِبِّينَ لَمْ يكَدْ ... رَسِيسُ الهَوَى مِنْ حُبِّ مَيَّةَ يَبْرَحُ
والبيتان اللذان ذكرهما المصنف من قصيدة "بكى زوج ميّ" من الطويل، وهما الأول والثاني حسب ترتيبهما في الديوان. ديوان ذي الرمة، ص ٤٣. أما البيت الأول من المجموعة التي أوردها الجرجاني في القصة فترتيبه في القصيدة كما هي في الديوان ٢٦، وأما الثاني فغير موجود.
(٣) الزمخشري: الكشاف، ج ١، ص ١٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>