للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ تَسْأَلَانِي عَنْ هَوَايَ فَإِنَّهُ ... مُقِيمٌ بِهَذَا القَبْرِ يَا فَتَيَانِ (١)

وعلَّلُوه بأنه بناء على عادتهم في أسفارهم أن يكون المسافرُ مرافقًا لمسافرين معه، وفي استقراء ذلك كثرة.

إنما المهِمّ لنا أنَّ مما وقع أمام نظري في مطالعاتِ الأدب العربي أني وجدتُ شعراءَهم كثيرًا ما يُوَجِّهون الكلامَ إلى المرأة بطريق الخطاب أو بالاسم أو الضمير، أو يحكون عن المرأة، مع أن المقامَ نابٍ أن تكون امرأة معينة مقصودة بذلك، أو مقصودًا إبلاغ الكلام إليها. فربما طلبوا من المرأة أن تسألَ عن الخبر، وأن تتعرف حادثًا، وأكثرُ ما لاح لي ذلك في السؤالِ المفروض؛ لأن الأصلَ فيه أن يُبْنَى على فرضِ سؤالِ سائلٍ أو سائلين، فيكون مبنيًا على التذكير، كقوله تعالى: {سَأَلَ سَائِلٌ [بِعَذَابٍ وَاقِعٍ] (١)} [المعارج: ١]، وقوله: {آيَاتٌ لِلسَّائِلِينَ (٧)} [يوسف: ٧].

فلما لاح لي ذلك وتتبعتُه، تَبَيَّنَ لي أن توجيهَ السؤال إلى المرأة بُنِيَ على ملاحظة الغرض الذي من شأن المرأة أن تُسأل عنه. ثم انتقلتُ إلى البحث عن كلِّ مقامٍ فيه


= ورجيلائهم، وكان له بأس ونجدة، وكان أدل الناس بالأرض وأجودهم عدوًا على رجليه، وكان لا تعلق له بالخيل". والبيت من بحر البسيط، وتمامه:
يَا صَاحِبَيَّ أَلَا لَا حَيَّ بِالوَادِي ... إِلَّا عَبِيدٌ وَآمٌ بَيْنَ أَذْوَادِ
الدينوري: الشعر والشعراء، ص ٢١٥ - ٢١٦.
(١) ذكر الأبشيهي أن سليمان بن عبد الملك خرج ومعه يزيد بن المهلب في بعض مقابر الشام، فإذا امرأةٌ جالسة على قبرٍ تبكي، قال سليمان: "فرفعت البرقع عن وجهها فحكت شمسًا عن متون غمامة، فوقفنا متحيرين ننظر إليها، فقال لها يزيد بن المهلب: يا أمة الله! هل لكِ في أمير المؤمنين بعلًا؟ فنظرت إلينا، ثم أنشأت تقول:
فَإِنْ تَسْأَلَانِي عَنْ هَوَايَ فَإِنَّهُ ... يَجُولُ بِهَذَا القَبْرِ يَا فَتَيَانِ
وَإِنِّي لأَسْتَحْيِيهِ وَالتُّرْبُ بَيْنَنَا ... كَمَا كُنْتُ أَسْتَحْيِيهِ وَهْوَ يَرَانِي".
الأبشيهي، شهاب الدين محمد بن أحمد أبي الفتح: المستطرف في كل فن مستظرف، تحقيق مفيد محمد قميحة (بيروت: عالم الكتب، ط ١، ١٤٢٤/ ٢٠٠٣)، ص ٢١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>