ملاحظةُ الأغراض التي من شأن المرأة أن يكون لها الحظُّ الأوفرُ فيها من الاعتبار، أي من الشؤون التي يغلب على النساء الاهتمامُ بها أكثرَ من اهتمام الرجال، فكلُّ ذلك مما يقيمون كلامَهم فيه على منوال التأنيث. ثم وجدتُ توجيهَ الخطاب إلى المرأة في مواقع أخرى غيرِ طلب السؤال عن خبر، فاتسع لي بابٌ طَرَقْتُه، فإذا وراءه كُوًى تُطِلُّ على أفنانٍ لا يعتريها ذبولٌ ولا ذُوِيّ. وقبل الخوض [في الموضوع] يتعين أن أتعرَّف ما الذي دعاهم إلى ذلك، فوجدته لا يعدو خمسةَ أغراض.
الغرض الأول: أنه كان من عادةِ نسائهم العنايةُ بالأخبار والحوادث يَعْمُرْنَ بالحديث عنها آناء اجتماعهن في الأسمار، فمن أجل ذلك يتناقَلْنها وتشيعها المرأة والأخرى، وينبسطن بالحديث فيها إلى رجالِ بيوتهن في أسمارهم. وأوضحُ مثالٍ لنا في ذلك وأجْمَلُه حديثُ أُمِّ زرعٍ الواقع في كتب السنة (١). فلما عُرف ذلك من عادتهن،
(١) هذه القصة مروية في صحيح البخاري عن عائشة - عليها الرضوان - أنها تحدثت بها في سمرها مع النبي - صلى الله عليه وسلم -، وفي بعض رواياتها في غير الصحيح رفعتها إلى النبي عليه الصلاة والسلام ونصها: "جلس إحدى عشرة امرأة فتعاهدن وتعاقدن على أن لا يكْتُمْن من أخبار أزواجهن شيئا. قالت الأولى: زوجي لَحْمُ جملٍ غثَّ على رأس جبل، لا سهلٌ فيُرْتقَى ولا سمين فيُنْتقل. قالت الثانية: زوجي لا أَبُثُّ خبرَه، إني أخافُ أن لا أذرَه، إنْ أذكُرْهُ أذكر عُجَرَه وبُجَره. قالت الثالثة: زوجي العشَنَّق، إن أنْطِقْ أُطلَّق، وإن أَسْكُتْ أُعَلَّق. قالت الرابعة: زوجي كَلَيْلِ تِهامه، لا حرٌّ ولا قُرٌّ، ولَا مخآفةُ ولا سآمة. قالت الخامسة: زوجي إن دخل فَهِد، وإن خرج أَسِد، ولا يَسأل عمَّا عَهِد. قالت السادسة: زوجي إنْ أكل لفَّ، وإن شرب اشتفَّ، وإن اضطجع التف، ولا يولِج الكفَّ ليعلم البث. قالت السابعة: زوجي غياياء أو عياياءُ طباقاء، كلُّ داء له داء، شجَّك أو فلَّك، أو جمع كلًا لك. قالت الثامنة: زوجي المسُّ مسُّ أرنب، والريحُ ريحُ زَرْنب، وأغلبُه والناسَ يغلب. قالت التاسعة: زوجي رفيعُ العماد، طويل النَّجاد، عظيم الرماد، قريب البيت من الناد. قالت العاشرة: زوجي مالكٌ وما مالك؟ مالكٌ خيرٌ من ذلك، له إبلٌ كثيراتُ المبارك قليلاتُ المسارح، وإذا سمعن صوتَ المزْهَر أيقَنَّ أنهن هوالك. قالت الحادية عشر: زوجي أبو زرع، فما أبو زرع؟ أَنَاسَ مِنْ حُلِيِّ أُذُنَيَّ، وملأ من شحمٍ عَضُدّيَّ، وبَجَّحني فبَجَحَتْ إلَيَّ نفسي، وجدني في أهل غُنَيْمة بشِقٍّ فجعلني في أهل صَهيلٍ وأطيط، ودائس ومُنِقٍّ، فعنده أقول فلا أُقَبَّح، وأرْقُد فأَتَصَبَّح، وأشرَب فأتقَمَّح. أُمُّ أبي زرع، فما أم أبي زرع؟ عُكومُها رَداح، وبيتُها فِسَاح. ابنُ أبي زرع، فما ابن أبي زرع؟ مضجِعُه كمسلِّ شَطْبه، ويُشْبِعُه ذِراعُ الجفرة. بنت أبي زرع، فما بنت أبي زرع؟ طوعُ أبيها، وطوعُ أمها، =