للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صار توجيهُ الخطاب إلى المرأة بالحثِّ على السؤال عن حادث مشيرًا إلى أهميته وبلوغه الغايةَ في نظائره، وأنه جديرٌ بالإشاعة، فإذا أرادوا ذلك وجَّهُوا الخطابَ إلى ضميرِ الأنثى أو حدَّثوا عنها بطريقِ الغيبة.

وذلك ليس من قبيل انتزاع ذاتٍ من ذات أخرى فيها صفةٌ، المعروفِ بالتجريد؛ لأن التجريدَ معدودٌ في المحسِّنات البديعية لما فيه من اللطافة بادعائه شخصًا ثانيًّا، فكان بذلك محسِّنًا في الكلام. ولا هو من قبيل توجيهِ الخطاب إلى غيرِ مُعَيَّن، وهو كثيرٌ في القرآن؛ لأنه مبنِيٌّ على التعميم لكلِّ مخاطَب، فيُفرض مخاطَبٌ غيرُ معيَّن، مع أن ذلك جارٍ على الأصل الغالب في الكلام، وهو التذكير. وهذا أعمُّ من الخطاب، فيكونُ بصيغةِ مخاطَبَةٍ وغائبة، وأيضًا هو في الغالب مفروضٌ في امرأة معيَّنة كزوجةٍ أو بنتٍ أو حبيبة، ولكنها لم تكن حاضرة.

فتعين أن يلحق غرضُنا بالأساليب المتبعة في الاستعمال، ولا يحق أن يُعدَّ في مبحث وجوه تخريج الكلام على خلاف مقتضى الظاهر من مباحث علم المعاني، كما عُد توجيهُ الخطاب إلى غير معين؛ لأن بحثنا في الاستعمال جرى على معتاد اللسان في الخطاب في أمثال الغرض الذي هو فيه، بعد أن تكرر ذلك في أمثاله. فهو بناءٌ على


= وملء كسائها، وغيظُ جارتها. جاريةُ أَبِي زَرع، فمَا جاريةُ أبِي زرع؟ لا تَبُثُّ حديثَنَا تبثيثًا، ولا تَنْقُثُ مِيرَتَنا تنقيثًا، ولا تملأ بيتنا تعْشِيشا. قالت: خرجَ أبو زرع والأوطابُ تُمْخَض، فلقِيَ امرأةً معها وَلَدَان لَها كالفَهْدَين، يلعبان مِنْ تحت خَصْرها برُمَّانتين، فطَلَّقَنِي ونكَحَها، فنكحْتُ بعده رجلًا سرِيًّا، رَكِبَ شَرِيًّا، وأخذ خَطِّيًّا، وأراح عليَّ نَعَمًا ثَرِيًّا، وأعطاني من كل رائحة زوجًا، وقال: كُلِي أُمَّ زرع، ومِيرِي أهلَك. قالت: فلو جمعتُ كلَّ شيء أعطانيه ما بلغ أصغرَ آنِيَةِ أبِي زرع، قالت عائشة: قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كنتُ لكِ كأبي زرعٍ لأمِّ زرع". - المصنف. (نقلنا هذه الحاشية من كتابه أليس الصبح بقريب؟ التعليم العربي الإسلامي: دراسة تاريخية وآراء إصلاحية، تحقيق محمد الطاهر الميساوي [حلب: دار الملتقى/ الخرطوم: هيئة الأعمال الفكرية، ط ١، ١٤٣١/ ٢٠١٠]، ص ٥٢ - ٥٣). وانظر القصة في: صحيح البخاري، "كتاب النكاح"، الحديث ٥١٨٩، ص ٩٢٦ - ٩٢٧. هذا وللمصنف شرحٌ مخطوط على هذه القصة، وقد شرحها كذلك القاضي عياض بشرح سماه "لذة السمع بشرح حديث أم زرع".

<<  <  ج: ص:  >  >>