أقام أبو علي إسماعيل بن القاسم بن عيذون القالي ببغداد خمسًا وعشرين سنة في صدر القرن الرابع، وتخرج في علوم العربية بأبي بكر ابن دريد، وابن السراج، ونفطويه، والمطرز (غلام ثعلب)، والزجاج، والأخفش، وابن دُرستويه، وأبي بكر ابن الأنباري. وكان تخرجه في خصوص علم اللغة عن أبي بكر ابن دريد، وهو إمامُها وأهلُ الاختصاص بها، وقد علا صيتُه بتآليفه العظيمة، وأعظمها كتاب "الجمهرة".
وفي أوائل الربع الثاني من القرن الرابع سنة ٣٢٥ هـ خرج أبو علي القالي من بغداد قاصدًا المغرب، فدخل قرطبة عاصمة الدولة الأموية بالأندلس في عهد عبد الرحمن الناصر، لا المنتصر كما توهم ياقوت (١). وأقام هنالك في ظل عناية الناصر ثم ابنه المستنصر وإكرامهما، إلى أن توُفِّيَ بقرطبة سنة ٣٥٦ هـ.
كانت الخمس والعشرون سنة - أو تزيد - التي قضاها أبو علي في قرطبة مصدرَ علم غزير في اللغة: بما صنف القالي من كتب، وما عقد من المجالس؛ يباهي بعلم ابن دريد وأدبه، ويحدث عن الأخفش والمطرز وابن الأنباري وغيرهم. فكانت كتبُه كلها بغداديةَ الروح، أندلسية الوضع. وأصبحت الرواية في العربية راجعةً إليه، ومعظم التعويل فيها عليه، وغالب الاحتجاج به، وتسلسلت أسانيدُ علم اللغة ورواية الأشعار - في القرون التي تلاحقت بعده - متصلةً به.
وكان الآخذون عن أبي علي أندلسيين كلهم؛ إذ لم يؤخذ عنه ببغداد قبل سفره إلى المغرب، وقد أورد ياقوت أسماء بعض الآخذين عنه. ولكن اثنين اختصَّا بصحبته أولَ مقدمه اختصَاصًا زائدًا، فارتفع بهما قدرُه؛ إذ كان كلٌّ منهما - عند مقدم القالي - في الذروة من العلم.