للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

علمنا بلا ريب أن النبي - صلى الله عليه وسلم - قد أسس بيده أصولَ الدولة الإسلامية، وأعلن ذلك بنص القرآن وقد قال تعالى: {وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (٤٨) وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ (٤٩) أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٥٠)} [المائدة: ٤٨ - ٥٠].

وكيف يستقيم أن يكون الإسلام شريعةً ثم لا تكون له حكومةٌ تنفذ تلك الشريعةَ وتحمل الراعيَ والرعيةَ على العمل بها؟

فإنه لو وكّل الأمرُ لاختيار الناس لأوشك أن لا يعمل به أحد، وليست الدولةُ إلا سلطانًا تحيا به الشريعة، كما قال أرسطو (١).


= غير مختصة بمحل دون محل، ولا بباب دون باب، ولا بقاعدة دون قاعدة، كان النظر الشرعي فيها أيضًا عامًّا لا يختص بجزئية دون أخرى؛ لأنها كلياتٌ تقضي على كل جزئي تحتها، وسواء علينا أكان جزئيًّا إضافيًّا أم حقيقيًّا؛ إذ ليس فوق هذه الكليات كلِّيٌّ تنتهي إليه، بل هي أصولُ الشريعة، وقد تمت، فلا يصح أن يُفقد بعضُها حتى يُفتقر إلى إثباتها بقياس أو غيره، فهي الكافيةُ في مصالح الخلق عمومًا وخصوصًا؛ لأن الله تعالى قال: {الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ} [المائدة: ٣] وقال: {مَا فَرَّطْنَا فِي الْكِتَابِ مِنْ شَيْءٍ} [الأنعام: ٣٨] ". الشاطبي، أبو إسحاق إبراهيم بن موسى: الموافقات في أصول الشريعة، تحقيق عبد الله دراز (بيروت: دار المعرفة، ١٤١٦/ ١٩٩٦)، ج ٢، ص ٥ - ٧.
(١) أورد ذلك ابنُ خلدون نقلًا عن كتاب "السياسة" المنسوب لأرسطو حيث قال: "العالم بستانٌ سياجُه الدولة، والدولة سلطانٌ تحيا به السنة، السنة سياسة يسوسها الملك، الملك نظام يعضده الجند، الجند أعوان يكفلهم المال، المال رزق تجمعه الرعية، الرعية عبيد يكنفهم العدل، العدل مالوف وبه قوام العالم، العالم بستان". مقدمة ابن خلدون، ص ٤٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>