هذا كنه ما يروى عن صحابيين جليلين، هما من أعلم الناس بالمصلحة الإسلامية وحفظ جامعتها. ولو أرخينا العنان وتنازلنا في الجدال وسلمنا تسليمًا جدليًّا بأن عليًّا وسعدًا قد رفضا صراحةً أن يبايعا لأبي بكر - وهو ما لا راويَ له - فلا نجد للمؤلف في ذلك كله دليلًا على ما يريد من إنكار كون الخلافة منصبًا دينيًّا عظيمًا هو من أركان الإسلام حتى كان على معناها الحقيقي الذي شرحناه في أول مقالاتنا.
وهل يكون امتناعُهما حينئذ إلا رأيًا في الدين واجتهادًا في تحقيق أولوية أبي بكر بالخلافة؟ ! وذلك لا ينقض الإجماعَ على أصل مشروعية الخلافة أو الإمامة للمسلمين؛ لأنهما إذا امتنعا عن بيعة أبي بكر فقد كان سعد راضيًّا بأن يبايعه الأنصار، فهو قابل بوجوب نصب الإمام، وكون الإمام علي - رضي الله عنه - قائلًا بوجوب ذلك أظهر لأنه كان ممن ولي تلك الخلافة.
ثم ذكر في صحائف ٩٨ - ٩٩ - ١٠٠ ما وقع من مالك بن نويرة من امتناعه من إعطاء الزكاة لأبي بكر، وأن خالد بن الوليد قتله وأن أبا بكر أنكر قتله، وأن شاعرًا من شعرائهم قال:
(١) ابن عبد البر: الاستيعاب في معرفة الأصحاب، ج ٣، ص ٩٧٦. وفيه في البيت "شُكْرًا" بدل "حمدًا" (وقد أورد ابن عبد البر هذه الأبيات في ترجمة أبي بكر الصديق)؛ الكلاعي الأندلسي، أبو الربيع سليمان بن موسى: الاكتفاء بما تضمنه من مغازي رسول الله والثلاثة الخلفاء، تحقيق محمد كمال الدين عز الدين علي (بيروت: عالم الكتب، ط ١، ١٤١٧/ ١٩٩٧)، ج ١/ ٢، ص ٤٤٣.