للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

(أربع وتسعمائة) انقطعت كلمة التوحيد من بلاد الأندلس". (١)

وأنا أبَيِّنُ لك إجمالَه، وهو أن أول ما ابتدأ به الجلالقةُ أن صدر أمرُ الملك فردينادو والملكة إيزابيلا بإحصاء العائلات الذين تحقق أن أسلافهم كانوا نصارى وأسلموا في مدة ملك الإسلام بتلك الديار، فأكرهوهم على الرجوع إلى النصرانية. ثم ارتقى القسيسون في هذا الأمر، فصاروا يدَّعون على مَنْ شاؤوا أن جدودهم كانوا نصارى، فيُكرِهون مَنْ يدعون عليهم بذلك على أن يتنَصَّروا.

فلما شعر المسلمون بالخطر على دينهم ثاروا ثورةً واحدة، وقتلوا حكامَهم النصارى، فصدر الأمر بقتل الثائرين إلا الذين يتنصرون منهم؛ فإن تنصرهم يمنعهم من القتل. فتنصر معظمُ المسلمين من سكان غرناطة وباديتها، عدا بعض القرى مثل بلفيق وأندرش وجبل بلنقة، (٢) وامتنعوا من الإلقاء بأيديهم [إلى التهلكة]، فانتشر القتال بينهم وبين الجلالقة. وكان الغَلَبُ للجلالقة لا محالة، فاستأصلوا سكانَ تلك القرى عدا أهل جبل بلنقة؛ فإنهم لمناعة جبلهم أفنَوْا جيشَ العدو المحيط بهم، ثم انعقد بينهم صلحٌ على تمكين المسلمين من الخروج بأموالهم وأهليهم إلى المغرب الأقصى، ظنًّا منهم أن المسلمين لا يهجرون أوطانهم.

فلما رأوا منهم العزمَ على الهجرة منعوهم، ومَنْ خرجوا إلى المراسي بنية الهجرة أرجعوهم. قال السيد محمد بن عبد الرفيع المرسي الأندلسي (٣) - أحد


(١) قال المقري بعد أن ذكر هزيمة المسلمين ونقض ملك النصارى ما أعطاه لهم من شروط: "ثم بعد ذلك دعاهم إلى التنصر وأكرههم عليه، وذلك سنة أربع وتسع مائة، فدخلوا فيه كرهًا، وصارت الأندلسُ كلها دارَ كفر، ولم يبق من يجهر بكلمة التوحيد والأذان، وجُعلت في المساجد والمآذن النواقيس والصلبان". أزهار الرياض، ج ١، ص ٦٨ - ٦٩.
(٢) ويعرف الآن بالجبل الأبيض (BIanca Mountain)، ويقع في الجنوب الشرقي لإسبانيا، وهو منطقة مقصودة للاصطياف.
(٣) هو محمد بن عبد الرفيع بن محمد الشريف الحسيني الجعفري المرسي الأندلسي، سكن تونس وتوفِّيَ بها سنة ١٠٥٢ هـ. له كتاب "الأنوار النبوية" الذي اعتمد عليه المصنف فيما يتعلق بوصف أحوال =

<<  <  ج: ص:  >  >>