للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٤ - رابعًا نراه في صفة الكلمة الوحشية من "المثل السائر" (ص ٩٩ بولاق) يذكر قيدًا استخرجه، وهو أن الغريبَ من الكلم قد يسوغ استعمالُه في الشعر ولا يسوغ في النثر، ويذكر عدةَ أمثلة من الشعر وقع فيها الغريب، ويحيل في كراهتها على الذوق، ولم يورد مثالًا من النثر (١). وحين تعرض لذلك في "الجامع الكبير" (ص ٤٨)، أورد له مثالين من النثر، واختصر ما أطاله في "المثل السائر" وهذبه، وبيَّن علةَ تسويغه للشاعر دون الناثر، مما ينبئ بأنه استخلص من استقراء كلام البلغاء قاعدةً مضبوطة جعلها نتيجةَ قياس الاستقراء، وعدل عن إحالة ذلك على الذوق؛ لأنه ذكر في المثل أن الناس متفاوتون في الذوق (٢).

٥ - خامسًا: ذكر في "الجامع الكبير" (ص ٣٤ وص ٥٩) أنه ابتكر نوعًا سابعًا في أنواع أوصاف الكلمة قال إنه ابتكره، وهو أن تكون الكلمة مبنيةً من حركات خفيفة، وبَيَّن علةَ ذلك وأطال فيه (٣). ولمَّا ذكر هذا الوصف في "المثل السائر"


(١) ابن الأثير: المثل السائر، ج ١، ص ١٦٧ - ١٧٢. قال ابن الأثير في خاتمة كلامه على الألفاظ الوحشية: "وعلى هذا فاعلم أن كل ما يسوغُ استعماله في الكلام المنثور من الألفاظ يسوغ استعماله في الكلام المنظوم، وليس كل ما يسوغ استعماله في الكلام المنظوم يسوغ استعماله في الكلام المنثور. وذلك شيء استنبطته، واطلعت عليه؛ لكقرة ممارستي لهذا الفن، ولأن الذوق الذي عندي دلني عليه. فمن شاء فلْيُقَلِّدنِي فيه، وإلا فَلْيُدْمِنْ النَّظرَ حتى يطلع على ما اطلعت عليه، والأذهان في مثل هذا المقام تتفاوت".
(٢) وقد خص بذلك "النوع الثاني من القسم الأول من الباب الأول: وهو أن لا تكون الكلمة وحشية ولا متوعرة"، الجامع الكبير، نشرة هنداوي، ص ١٦٤ - ١٧٠. أما تسويغُه استعمالَ الوحشي من الكلام للشاعر دون الناثر فهو قوله: "واعلم أن الإنكار على الناثر في استعمال الوحشي من الكلام أكثر من الإنكار على الناظم، وذلك لأن الناثر واسع المجال، مطلق العنان، متصرف كيف شاء، قادر على أن يقيم مكان اللفظة التي ذكرها لفظة أخرى مما هو في معناها. والناظم قد لا يمكنه ذلك، لأن مجال التأليف عليه حرج ونطاقه ضيق. وإذا أراد أن يقيم لفظة مكان لفظة لا يتأتى له ذلك في جميع الحالات، لانفساد الوزن عليه". (ص ١٧٠).
(٣) حيث قال: "وأما النوع السابع الذي ابتكرناه نحن فهو أن تكون الكلمة مبنية من حركات خفيفة، وسبب ذلك سرعة النطق بها، ومضاؤه فيها من غير عناء يلحقه ولا كلفة"، الجامع الكبير، ص ١٨٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>