الجزيرة الخضراء، أعادها الله تعالى للإسلام. فتخلص لي من معرفتهم أني ميزت سبعة رجال منهم كانوا كلهم يحدثون بأمر غرناطة وما كان بها في الإسلام حينئذ، فسندي عال لكوني ما ثَمَّ إلا واسطةٌ واحدة بيني وبين أيام الإسلام بها". (١)
وما قاله محمد بن عبد الرفيع من التعذيب والقتل والتحريق، هو إشارةٌ إلى ما تقوم به محاكمُ التفتيش الدينية النصرانية التي أسستها الكنيسة الرومية في أهم البلاد المسيحية من أواسط القرن الثالث عشر المذكورة في التاريخ. ففي سنة ١٤٣٦ أصدر الملك فيليبو الثاني أمرًا بأن الموريسكو لا يتكلمون باللغة العربية فيما بينهم، ولا يسمون أولادهم بأسماء المسلمين، وأن يرسلوا أولادهم ممن بلغ ثلاث سنين إلى من عمره خمس عشرة سنة إلى المدارس النصرانية.
وفيما قبل هذه المدة كانت حاجةُ الجلالقة إلى الاستعانة بمعارف المسلمين في العلوم والصنائع قد سمحت للمسلمين بالانتشار في كثير من البلاد الواقعة في حكم الجلالقة، فكان كثيرٌ منهم في جيان وبلنسية وإشبيلية وطليطلة ومرسية، زيادة على معظم المسلمين الذين كانوا في غرناطة وألبيرة ومالقة وأحوازهن. وقد خرجت جماعاتٌ منهم إلى فرنسا لأسباب لم أطلع عليها، فاشتُرط عليهم هنالك أن لا يفارقوا النصرانية، فبقوا هنالك مترددين فيما يصنعون، وكانت فرنسا في تلك المدة قد اصطلحت مع إسبانيا بسبب الاتحاد الكبير بين ممالك أوروبا الذي أسسه ملك فرنسا هنري الرابع سنة ١٦٠٣ م.
ولَمَّا لم يُبقِ الجلالقةُ أملًا للتسامح مع الموريسكو في إقامة عوائدهم الإسلامية، وأقاموا عليهم العيونَ في تتبع أعمالهم في خويصتهم، ضاق الأمرُ بالموريسكو فثاروا ثورةً كبرى في كورة ألبيرة وجبالها، ودام بينهم وبين الجلالقة قتالٌ مدةَ أربع سنين
(١) وانظر ما ذكره الشيخ علي الطنطاوي من قصة الشيخ محمد عبد الرفيع بعنوان "محمد الصغير" في كتابه قصص من التاريخ (جدة: دار المنارة, ٢٠٠٢).