إلى أن كانت الهزيمة على الموريسكو سنة ٩٦١ هـ، فأخدوا على الطاعة. ولولا حروبٌ نشبت عقب ذلك بين الجلالقة وبين الأنجليز أخذ فيها المسلمون نفسًا من العيش، لمَا استطاعوا الدوامَ على تلك الحال إلى أوائل القرن الآتي.
وقد يسر الله للمسلمين بقاءهم على إيمانهم، وإقامة شعائر دينهم، ودوام التآمر بينهم على ذلك، مع انتشارهم وشدة المراقبة عليهم، فلم يضمحِلَّ الإسلامُ منهم بحسب الإمكان، حتى استطاعوا السعيَ للخلاص حين سنحت لهم الفرصة. وذلك تحقيق لوعد الله تعالى في قوله: {فَأَمَّا مَنْ أَعْطَى وَاتَّقَى (٥) وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى (٦) فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى (٧)} [الليل: ٥ - ٧].
وتُوُفِّيَ الملك فيليبو الثاني، وخلفه ابنه فيليبو الثالث، وكان يميل إلى التسامح مع الموريسكو، فظلوا في سكون وجثوم مدة سنين إلى أن أتيح لنفرٍ منهم أن ارتحلوا عن الأندلس سنة ١٠١٣ هـ قاصدين بلغراد من مدن السلطنة التركية. وهنالك لقوا الوزير مراد بكلربيك باشا الملقب قيوجي، وكان هو الصدر الأعظم للخليفة السلطان أحمد خان الأول، فأخبروه بما حل المسلمين من الشدة والتضييق عليهم في دينهم في إسبانيا وفرنسا. فبسط الوزيرُ الحالَ إلى السلطان الذي كان غير عالم بما حاق بالمسلمين، وكان يحسبهم قد اختاروا التنصر على الإسلام بدون إكراه، فصدر إذنُ السلطان إلى الوزير بأن يصدر كتابًا إلى الملك هنري الرابع ملك فرنسا وحليف سلطان تركيا. وقد حكى السيد محمد بن عبد الرفيع ذلك فقال:
"فكتب الوزير المشار إليه إلى صاحب فرنسا. . . بإذن من السلطان نصره الله يأمره بأن يخرج مَنْ كان من المسلمين الأندلس محمولين في أغربته (١) ويوجههم إلى بلاد الإسلام في سفر من عنده بما يحتاجون إليه. فلما قرئ الأمر السلطاني في ديوان الفرنسيس بباريس دار مملكته، وسمعه مَنْ كان عنده مرسلًا من قبل صاحب الجزيرة
(١) كذا، ولم يتبين لي وجه الصواب في هذه اللفظ ولا معناها.