للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وما كان المغربُ بأهنأ عيشًا من المشرق تلك المدة، فإن طرابلس وتونس والجزائر كانت تابعةً للدولة العثمانية، فكانت أدواءُ تلك الدولة تتسلل إلى هذه الإيالات، وتزيد بما تزيد به من الفقر والجهل وقلة النظام، وكان الحكم في هذه الأقاليم بيد الجند وزعمائه.

فطرابلس خَيَّم عليها الجهل، وأرهقها ظلمُ الولاة الذين من آخرهم خليل باي الذي كان نصيرًا لمراد باي أبي بالة - والِي تونس - على تخريب القيروان سنة ١١١١ هـ. وتونس كانت قرارةَ فتن وأكدار من حروب قائمة بين أهل الجزائر من سنة ١٠٩٦ هـ، ومن اشتداد مظالم مراد باي المرادي الملقب بأبي بالة، (١) والمتوثب على إمارة تونس سنة ١١١٠ هـ، فإنه عاث في البلاد إفسادًا، وقتلًا وتمثيلًا، ومجاهرةً بالفواحش، وهدم مدينة القيروان وقرًى كثيرة من البلاد. قال الوزير المؤرخ الشيخ أحمد بن أبي الضياف التونسي في تاريخه ما ملخصه:

"ولي مراد باي في رمضان سنة ١١١٠ هـ، ولم يلبث أن سلَّ سيفَ بغيه وفعل ما لم يؤثر عن غيره قديمًا وحديثًا، وانهمك في العبث بالخلق. وكان يؤتى بالرجل الذي يغضب عليه، فيقوم بنفسه ويذبحه، ويقطع أعضاءه، ويشق بطنه، ويدخل يده ويخرج أمعاءه. أُتِيَ إليه بالفقيه المفتي الشريف محمد العواني القيراني فقتله بنفسه، وجعل يشوي لحمه ويأكل منه. وكان يعبث بالعلماء ويمتهنهم، ويُكره بعضَهم على الحضور في مجلس خموره، وأخرج شِلْوَ (٢) سَلَفِه عَمِّه رمضان باي فأحرقه بالنار، وجمع رماده فألقاه في البحر بسوسة. وفعل بأهل باجة ما حملهم على مفارقة بلدهم، فخرجوا منها إلى الشعاب والأودية. وقاتل أهلَ القيروان، وأباحها لخليل باي والي


(١) البالة: اسم سيف قصير مستقيم. كان مراد هذا يحمل سيفًا من هذا النوع يقتل به مَنْ يغضب عليه، فإذا مضى يومٌ ولم يقتل به أحدًا يقول: "جاعت البالة"! - المصنف.
(٢) الشِّلو. العضو، والقطعة من اللحم، والبقية من كل شيء، وتجمع على أشلاء. والمقصود هنا أن المتحدَّثَ عنه أحرق ما تبقى من جثمان عمه بعد إخراجه من القبر!

<<  <  ج: ص:  >  >>