طرابلس فنهبها وسبى نساءها وذراريها. ثم إن مراد باي أمر بهدم جميع بناء القيروان عدا الجوامع والمساجد والزوايا، وجمع خيلًا اورجالًا لغزو بلاد الجزائر، وعاضده على ذلك خليل باي طرابلس. وحاصر قسنطينة خمسة أشهر، ثم دخلها عنوة، وأثخن في أهلها وجيشها قتلًا وأسرًا، وهدم معظم أبنيتها". (١)
وبلادُ الجزائر كانت في فتن مع أهل البلاد التونسية أيام مراد أبي بالة كما قلنا، وكان مراد قد خرَّب قرًى كثيرة بين البلاد التونسية وبين قسنطينة. وكانت أيضًا في حروب مع سلاطين المغرب من جهة تلمسان وسجلماسة، فكانت تلتهمها النيرانُ من أطرافها.
وأما المغرب الأقصى - وهو المملكة الوحيدة في المغرب المستقلة عن حكم الدولة العثمانية - فكان في فتن مضطرمة: من ثورات القبائل، واختلاف الدعاة، وعصيان المدن بما حولها من القبائل، فعصت تازا وفاس ومراكش وتارودانت وغيرها في أواخر القرن الحادي عشر من سنة ١٠٧٠ هـ. وكان الإسبنيول [الإسبان] قد انقضَّ على مدينة المهدية المغربية المعروفة بالمعمورة من عام ١٠٢٠ هـ إلى عام ١٠٩٢ هـ, وأخذوا الجديدة والعرائش وأصيلة وسبتة.
وأما ما انتاب الجامعةَ الإسلامية من الخارج، فإن دولَ أوروبا الذين كانوا يحسبون محاربةَ الدولة العثمانية لهم وقت ظهورها جهادًا دينيًّا، وكانوا قد مُلئت قلوبُهم رعبًا من عواقب تلك الحروب قرونًا طويلة، فلما رأوا وهنَ تلك الدولة من وقت نشوب الحرب بينها وبين دولة الفرس وما عقبه من فوضى الجند، نشطت تلك الدولُ لاستزداد قواها. فالذين كانوا منها تحت حكم الدولة العثمانية طمحوا إلى الخروج عنها، وجعلوا يظهرون التذمر من مظالم ولاة الترك إياهم، ويخيلون تعليلَ ذلك بأنه الكراهيةُ الناشئة عن التعصب الديني.
(١) لم يتهيأ لنا الحصول على كتاب ابن أبي الضياف "إتحاف أهل الزمان بأخبار تونس وملوك عهد الأمان" لتوثيق ما نقله المصنف عنه.