للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وهو الضابطُ الذي لا يشذُّ عنه فردٌ عند إعمال النظر، ومراعاة تلك المقاصد، ومعرفة ما يوجب الإخلالَ بها من غيره الذي هو مناطُ أنظار الجهابذة النقاد. ولا مِريةَ في تطرق الخلاف إلى بعض منها؛ فإن ذلك شأن الاجتهاديات المشروعة رحمةً للأمة.

وبهذا البيان الذي هو من غزل أبي حامد الرقيق، اتجه كلامُ الشهاب، واندفع عنه ذلك الإشكال. ومَنْ كان ذا نباهة وتفطن وغُذِّيَ بلبان التحرير يتيقن أن ذلك الضابط لحجة الإسلام مستنبَطٌ من جملة حديث المجلس. (١) فإن مضمونَ الجملة الأولَى القيامُ بحق الربوبية وواجب العبودية الذي هو المقصدُ الأول من التشريع كما قرره، ومضمونُ الجملة الثانية إفادةُ كيفية جبر ما تقتضيه البشريةُ غير المعصومة من بعض الخلل في القيام بواجب الأولى، فهما جملتان لتحقيق القيام بالواجب الأول أصالةً وجبرا.

وبقي القيامُ بالواجبِ الثاني المتعلِّق بالحياة الدنيا، وإليه الإشارةُ بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "وخالِقِ الناسَ بِخُلُقٍ حسن". خالق الناس: عاشرْهم بالخلق الحسن، كذا في القاموس، وعليه فذكرُ المتعلَّق لزيادة البيان والإيضاح. والناس عام للمؤمن والكافر، فإن للكافر حقوقًا في المعاملات معروفةً في الشرع بسطها الشهابُ القرافي في الفرق التاسع عشر والمائة من قواعده. وخلاصتُها منعُ الموالاة والتودد بالمودة، ومنع كلِّ ما يفضي إلى إظهار سلطانه على المسلمين وتعظيم رتبته عليهم. أما برُّهم بغير ذلك: من الرفق بهم، ولين القول لهم من غير مذلة، وكل حق يحسن من الأعلى مع الأسفل أن يفعله ومن العدو مع عدوه إذا قصد مكارمَ الأخلاق، فهذا لا مانعَ فيه، بل هو من المطلوب، كما دلت عليه نصوصُ الشريعة. وكفى بقوله تعالى:


= استكمالًا لتأصيل المعنى. قال الحافظ العراقي: حديث "الدنيا مزرعة الآخرة" لم أجده بهذا اللفظ مرفوعًا، وروى العقيلي في الضعفاء وأبو بكر بن لال في مكارم الأخلاق من حديث طارق بن أشيم: "نعمت الدار الدنيا لمن تزود منها لآخرته"، الحديث، وإسناده ضعيف.
(١) إشارة إلى أن شرح الحديث جرى في الأصل في مجلس من مجالس العلم التي كان المصنف عليه رحمة الله يعقدها، وقد كان ذلك خلال شهر رمضان بمسجد حوانيت عاشور كما ذكر محرر المجلة.

<<  <  ج: ص:  >  >>