للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

{لَا يَنْهَاكُمُ اللَّهُ عَنِ الَّذِينَ لَمْ يُقَاتِلُوكُمْ فِي الدِّينِ وَلَمْ يُخْرِجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ أَنْ تَبَرُّوهُمْ وَتُقْسِطُوا إِلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ (٨)} [الممتحنة: ٨]. (انتهى ملخَّصُ كلام الشهاب). (١)

وفي الجامع الصغير من طرق عديدة: "إذا أتاكم كريمُ قوم فأكرموه"، وفي شرحه للمناوي تعميمُ الحكم في الكافر والفاسق إذا كان كريمَ قومه، مستدلًّا على ذلك بعنوان الحديث والعدول عن عنوان العلم أو الدين، وبأن معاملته بغير ما آتاه الله من الرتبة ابتلاءً منه يَجُرُّ إلى مفاسد منهي عنها. قال: "وغلط في هذا الباب كثيرٌ غفلةً عن تدبير الله في خلقه، وجمودًا على ظاهر قوله تعالى: {وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ} [الحج: ١٨]، وما دَرَوْا أن السنة شرحت ذلك وبينته أحسنَ بيان، فموضعُ طلبِ إهانة الكافر والفاسق الأمنُ من حصول مفسدة ذلك، وقد كان - صلى الله عليه وسلم - يتواضع لأكابر كفار قريش ويكرمهم ويرفع منزلتهم". (٢)

وههنا بحثٌ من تتمة هذا يجب التنبهُ له، وهو ما حدث في معاشرة الناس ومكارمتهم من الآداب المستحدثة. فربما أنكر ذلك مَنْ لا تضلعَ له في أصول الشريعة بسبب أنها لم تكن في زمنه - صلى الله عليه وسلم - ولا في زمن السلف الصالح بعده، ويراها لذلك بدعةً مذمومةً لما فيها من مخالفة السلف. وتحرير ذلك ما ذكره الشهاب في الفرق التاسع والستين والمائتين من قواعده حيث قال:

"اعلم أن الذي يباح من إكرام الناس قسمان: القسم الأول: ما وردت به نصوصُ الشريعة من إفشاء السلام، وإطعام الطعام، وتشميت العاطس، والمصافحة عند اللقاء. . . وغير ذلك مما هو مبسوطٌ في كتب الفقه. القسم الثاني: ما لم يرد في النصوص ولا كان في السلف؛ لأنه لم تكن أسبابُ اعتباره موجودةً حينئذ وتجددت في عصرنا، فتعين فعلُه لتجدد أسبابه لا لأنه شرعٌ مستأنَف. بل عُلم من


(١) القرافي: كتاب الفروق، ح ٢، ص ٧٠١ - ٧٠٢.
(٢) المناوي: فيض القدير، الحديث ٣٤٥، ج ١، ص ٢٤١ - ٢٤٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>