للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في أحد إذ شج - صلى الله عليه وسلم - فقال: "كيف يُفلح قومٌ خضبوا وجهَ نبيهم بالدم وهو يدعوهم إلى ربهم؟ " فأنزل الله تعالى قوله: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: ١٢٨]، فلبس في قلبه لباس الاصطبار، ورجع بعد الاضطراب إلى القرار. فلما توزعت الآياتُ بحسب الأوقات، صفت الأخلاقُ النبوية بالقرآن". انتهى كلامه النفيس. (١)

فأخلاقُه - صلى الله عليه وسلم - ربانيةٌ بالتأديب الرباني والعناية الأحدية، لا برياضة نفسانية وتكسُّب طبيعي كما يكون لغيره. ولذلك لا يُدْرَكُ شَأْوُ خُلُقِهِ - صلى الله عليه وسلم -، فافْهَمْه.

وفي المفهم: "الخلق المحمود إجمالًا أن تكونَ مع غيرك على نفسك فتنصف منها ولا تنتصف لها، وتفصيلًا العفو، والحلم، والجود، والصبر، والرحمة، ولين الجانب، وتحمل الأذى". (٢) وجماع ذلك في قوله جل اسمه: {الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ (١٣٤)} [آل عمران: ١٣٤].


(١) ساق المصنف كلام السهروردي بتصرف واختصار كبيرين بما يناسب مقام الاستشهاد، فانظره بتمامه في "عوارف المعارف" ملحقًا بإحياء علوم الدين للغزالي، ج ٥، ص ١٩٤ - ١٩٥. وصاحب "العوارف" هو أبو حفص شهاب الدين عمر بن محمد بن عبد الله بن عمويه، القرشي، التيمي، البكري، السهروردي، ينتهي نسبه إلى أبي بكر الصديق. فقيه شافعي، وواعظ من كبار رجال الصوفية في بغداد، ولد في سهرورد سنة ٥٣٩ هـ وتُوُفِّي سنة ٦٣٢ هـ ببغداد. وهو غير شهاب الدين يحيى بن حبش السهروردي الحلبي، صاحب "حكمة الإشراق" و"هياكل النور".
(٢) أورد المصنف كلامَ القرطبي باختصار مع تقديم وتأخير، وعبارته: "الأخلاق جمع خلق، وهي عبارة عن أوصاف الإنسان التي يعامل بها غيره ويخالطه. وهي منقسمة إلى محمود ومذموم. فالمحمود منها صفات الأنبياء والأولياء والفضلاء، كالصبر عند المكاره، والحلم عند الجفاء، وتحمل الأذى، والإحسان للناس، والتودد لهم، والمسارعة في حوائجهم، والرحمة، والشفقة، واللطف في المجادلة، والتثبت في الأمور، ومجانبة المفاسد والشرور. وعلى الجملة فاعتدالها أن تكون مع غيرك على نفسك، فتنتصف منها، ولا تنتصف لها، فتعفو عَمَّنْ ظلمك، وتعطي مَن حرمك. والمذموم نقيض ذلك كله". القرطبي، أبو العباس أحمد بن عمر بن إبراهيم: المفهم لما أشكل من تلخيص كتاب مسلم، تحقيق محيي الدين ديب مستو وآخرين (دمشق/ بيروت: دار ابن كثير ودار الكلم الطيب، ط ١، ١٤١٧/ ١٩٩٦)، ج ٦، ص ١١٦ - ١١٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>