للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والْخُلُقُ الحْسنُ محمودٌ في كل أمة، يشهد لذلك قولُه - صلى الله عليه وسلم -: "إنما بُعثتُ لأتمم مكارمَ الأخلاق"، (١) إنه صريحٌ في سبقيتها في الأمم السابقة، غير أن الشريعة المطهرة جمعت ما تفرق منها وأحكمته على وجهٍ لا مطمعَ فيه من غيرها. ولقد كانت الأمةُ الأمية من العرب يتسابقون إلى نيل تلك الصفات، ويناضلون عنها، وكفى أحدَهم شرفًا أن يُعَدَّ من أصحاب تلك الخلال، حتى قال السموأل بن عاديا (٢) حكيم شعرائهم:


(١) أخرجه بهذا اللفظ البيهقي: السنن الكبرى، "كتاب الشهادات"، الحديث ٢٠٧٨٢، ج ١٠، ص ٣٢٣ (عن أبي هريرة). ورواه مالك في الموطأ بلاغًا بلفظ: "بعثت لأتمم حسن الأخلاق". الموطأ برواياته الثمانية، "كتاب حسن الخلق"، الحديث ١٧٨٩، ج ٤، ص ٢٩٦. وقد وصله البخاري في الأدب المفرد وعن أبي هريرة بلفظ: "إنما بعثت لأتمم صالِحَ الأخلاق". الألباني، محمد ناصر الدين: صحيح الأدب المفرد للإمام البخاري (الجبيل الصناعية: مكتبة الدليل، ط ٤، ١٤١٨/ ١٩٩٧)، الحديث ٢٠٧/ ٢٧٣، ص ١١٨. وقال ابن عبد البر: "وهذا الحديث متصل الإسناد من طرق صحاح عن أبي هريرة وغيره عن النبي - صلى الله عليه وسلم -". ثم استقصى الروايات المختلفة للحديث. موسوعة شروح الموطأ (تشتمل على التمهيد والاستذكار لابن عبد البر والقبس لابن العربي)، تحقيق عبد الله بن عبد المحسن التركي (القاهرة: مركز البحوث والدراسات العربية الإسلامية، ١٤٢٦/ ٢٠٠٥)، ج ٢٢، ص ٣٦ - ٣٨. ولا بد من الإشارة إلى ما يبدو من تناقض وقع فيه المصنف عليه رحمة الله حيث حكم بتضعيف هذا الحديث في مقال "التنبيه على أحاديث ضعيفة. . ." المنشور في "المجلة الزيتونية" سنة ١٣٥٦/ ١٩٣٧ (انظره في القسم الثالث من هذا المجموع). ثم هو قد استشهد به في المقال الحالي، كما استشهد به في مقال "حكمة التشريع الإسلامي وأثره في الأخلاق" المنشور سنة ١٣٥٨ في مجلة "الهداية الإسلامية". وليس واضحًا إن كان ذلك عن سهو أم لأنه ثبتت له صحتُه بعد أن أصدر ذلك الحكم بتضعيفه.
(٢) هو السموأل بن عاديا، أو عادياء، اليهودي، أحد أشهر أوفياء العرب قبل الإسلام وحاكم تيماء، من شعراء القرن الخامس الميلادي. يروى أنه كان صديقًا لامرئ القيس، وتروى له معه قصةٌ تجسد ما كان يتصف به من وفاء. وملخص تلك القصة أن امرؤ القيس أودع السموألَ أدراعًا مما كان يتوارثه ملوكُ كندة، فأتاه الحارث بن ظالم - وقيل الحارث بن أبي شمر الغساني - ليأخذها منه فتحصّن منه السموأل. فأخذ الحارثُ ابنًا له غلامًا رهينة، وهدد بقتله إن هو لم يسلّم الأدراع، فأبَى السموأل أن يسلِّم الأدرعَ إليه، فضرب الحارثُ وسط الغلام بالسيف فقطعه اثنين. وصارت تلك القصةُ مضربَ الأمثال، فقيل: أَوْفَى من السموأل. وقد رُوِيت أشعارٌ منسوبة إلى الأعشى =

<<  <  ج: ص:  >  >>