وتنسيق فقراتها كلما استدعى الأمر ذلك. فما من شاذة ولا فاذة، ولا صغيرة ولا كبيرة من الشواهد والنقول والإحالات التي تضمنتها النصوصُ المودعة في هذا المجموع، إلا وقد تتبعناها وعملنا على توثيقها مهما كان حجمُها ومهما كانت طبيعتها، اعتمادًا على المطبوع من المصادر والمراجع، مع الحرص على المحقق والقريب العهد منها، فإن تعذر ذلك عوَّلْنا على الموجود منها ولو كان مخطوطًا (وهذا نادر). أما ما جرينا عليه من تعليق في العديد من المواضع، فلم نسرف ولم نطلق عنانَ القلم فيه لكي لا نثقل نصوصَ ابن عاشور بما لا ضرورة له، ولا نفرض على القارئ نهجًا معينًا في قراءتها. وقد اجتهدنا في مواضع قليلة أن نجلب من مصنفاته الأخرى (وخاصة تفسير التحرير والتنوير) بعض النصوص تبيينًا لإجمال معنى أو استكمالًا لترتيب حجة أو استيعابًا لبارق فكرة، مما رأينا الاكتفاءَ بالنص المتوفر من بعض المقالات لا يفي بالغرض فيه.
وربَّ قائلٍ يقول: لِمَ هذا العناءُ والنَّصَبُ في تقصِّي مقالات ابن عاشور ورسائله وجمعها وتحقيقها وبين أيدينا أمهاتُ مصنفاتِه مشهورةً ميسورة تسير بها الركبان وتزخر بها المكتبات العامة والخاصة؟ ألا يُغنينا في التعرُّف على آرائه وأفكاره واجتهاداته واختياراته ما بثه تصريحًا وتلميحًا في "التحرير والتنوير" وما قرره تأصيلًا وتفريعًا في "مقاصد الشريعة الإسلامية" وما بينه تأكيدًا وتنظيرًا في "أصول النظام الاجتماعي في الإسلام" وما سطره شرحًا وتحليلًا في "أليس الصبح بقريب"؟ ما الجديد الذي تحتوي عليه تلك المقالات والرسائل مما لا يمكن استفادته والوقوف عليه من هذه المصنفات؟
ودون الولوج في التفاصيل، ولكي ندع الأمر للقارئ يحكم فيه بما ينتهي إليه من فهم وتقدير، نقرر الآتي فنقول: إن ما يحتوي عليه المجموعُ الذي بين أيدينا لا يزيدنا فقط اقتناعًا بأن الإمام ابن عاشور كان أكثرَ علماء تونس وكتابها خلال القرن الرابع عشر الهجري غزارةَ إنتاج، بل تكشف عن أنه أكثرُهم تنوعًا فيما طرق من موضوعات، وأبعدُهم غورًا فيما عالج من قضايا، وأكثرهم تماسكًا وتوازنًا فيما قرر من آراء، وأبعدهم عن التطاول والجور فيما أصدر من أحكام. وهو في كل المقالات