للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ورُوي عن علي - رضي الله عنه - أنه سُئل عن هذه الآية: أكانت الكعبةُ أولَ بيت؟ قال: "لا، قد كان قبله بيوت، ولكنه أول بيت وضع للناس مباركًا وهدى للعالمين ومن دخله كان آمنًا"، (١) فجعل الأوليةَ المقصودة هي المقيدة بالحالين "مباركًا وهدى". وأنا أستبعدُ صحةَ هذه الرواية عنه؛ إذ هو عربِيٌّ بليغ، وهذه الأحوال من خبر "إن"، ولا يجوز جعلُها أحوالًا من المضاف إليه؛ لأنه يقتضي الفصلَ بين الحال وصاحبه. وذلك يوجب اللبسَ بجعل "مباركًا" حالًا من "بيت"، تقييدًا للعامل وهو "أول". وفي رواية عنه أنه أولُ بيت وضع لعبادة الله، وهذا أحسن. (٢)

ومن المفسِّرين مَنْ يجعل "أول" هنا بمعنى الشرف، (٣) أي كقوله: "البيت العتيق". ومنهم مَنْ حمل "الناسَ" على خصوص العرب. وعن مجاهد ما يقتضي جعلَه أولَ بالنسبة إلى خصوص بيت المقدس. (٤)


(١) قال الطباطبائي في معرض تفسير الآية موضوع البحث: "ليس هو أنّه أول ما بني على وجه أرض، كما قد يتوهمه البعض، بل المراد أول بيت وضع للعبادة والهدى والبركة للناس. وهذا ما وردت به الرواية عن علي أمير المؤمنين (ع) في ما نقله ابن شهر آشوب عنه في قوله تعالى: {إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ} الآية، فقال له رجل: هو أول بيت؟ قال: لا، قد كان قبله بيوت، ولكنه كان أولَ بيت وضع للناس مباركًا، فيه الهدى والرحمة والبركة، وأول مَنْ بناه إبراهيم، ثم بناه قوم من العرب من جُرهم، ثم هُدِم فبنته العمالقة، ثم هُدم فبنته قريش". الطباطبائي، محمد حسين: الميزان في تفسير القرآن (بيروت: مؤسسة الأعلمي للمطبوعات، ١٤١١/ ١٩٩١)، ج ١٣، ص ٤٠٧.
(٢) تفسير الراغب الأصفهاني، ج ١، ص ٧٢٩.
(٣) قال الراغب: "ثم اختلفوا في معنى أول، فمنهم من اعتبر ذلك بالشرف، فكأنه قيل: أشرف بيت. وعلى ذلك قال مجاهد هو كقوله: {كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ}. المرجع نفسه.
(٤) يشير المصنف بذلك إلى ما رُوي عن مجاهد أنه قال: "تفاخر المسلمون واليهود، فقالت اليهود: بيت المقدس أفضلُ وأعظمُ من الكعبة؛ لأنه مُهاجَرُ الأنبياء، وفي الأرض المقدسة. وقال المسلمون: بل الكعبة أفضل، فأنزل الله هذه الآية". النيسابوري: أسباب النزول، ص ١١٥؛ القرطبي: الجامع لأحكام القرآن، ج ٥، ص ٢٠٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>