للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

في الذي يتولَّى وضعَه في موضعه. فقد توالَى على بنائه ثلاثَةُ رسل، وذلك لم يكن لبناءٍ غيره. وذلك الحجر الأسود الذي وضعته أيدي ثلاثة رسل هو هو، لم يزل قائمًا ماثلًا للناس.

وقوله {وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (٩٦)} حالٌ ثانية من الموصول، ويجيء الحال مصدرًا كالوصف بالمصدر، وكالإخبار بالمصدر لقصد المبالغة، أي هاديًا للعالمين، فجعل كأنه نفس الهدى. ووصف البيت بذلك؛ لأن وضعه كان للدلالة على توحيد الله كما علمت. فكلُّ مَنْ يراه يسأل عنه، وعن سبب وضعه، وعن واضعه، فيُخْبَرُ بذلك، فينظر فيهتدي إلى التوحيد، ولأن سدنته وحفظته - وهم ذرية واضعه - قد وُكلت إليهم الدعوةُ إلى ذلك الهدى الذي أراده جدُّهم. وفي هذا تعريضٌ بالمشركين؛ إذ جعلوا مصدرَ الهدي إشراكًا، ولذلك لَمَّا أزال النبيُّ - صلى الله عليه وسلم - الأصنامَ من الكعبة يوم الفتح قرأ: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ} [الإسراء: ٨١]. ولم يأمر بذلك في إزالة الأصنام الأخرى؛ لأن وضع الأصنام في هيكل التوحيد من أعظم الباطل والاعتداء، زيادةً على كون مجرد اتخاذ الأصنام هو من الباطل.

وقولُه تعالى: {فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ} [آل عمران: ٩٧]، يجوز أن يكون استئنافَ كلام، ويجوز أن يكون حالًا ثالثة. وكيفما كان، فهو من تفصيل التفضيل. والآيات جمع آية، وهي العلامةُ المصدِّقة للدعوى. فالمُرادُ هنا آياتٌ على كونه مباركًا وهدى، سواء اشترك في الاهتداء بها سائرُ الناس أم اختص بها البعض، على تفاوتهم في الاختصاص بها حسب ما يفتح الله لهم من أبواب الإرشاد الإلهي والفتح النوراني. وقد اقتضى الكلامُ أن الآيات كائنةٌ في البيت. فإن كانت الظرفية المستفادة من "في" ظرفية حقيقية، فالمراد من الآيات آياتٌ ظاهرة كائنة في المسجد الحرام، وهي عدة، منها:

١ - الحجر الأسود، فالمتواتر أنه نزل من السماء، رآه إبراهيم حين نزل على جبل أبي قبيس، فأخذه وجعله في ركن الكعبة، زيادةً في تشريفها إذ كان من حجارة جدرانها حجارة نزلت من السماء. ومعنى ذلك أن يكون الحجرُ الأسود من الحجارة

<<  <  ج: ص:  >  >>