للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٥ - ومن آياته ما جُعِل له من الحرمة في نفوس الخلق من العرب وغيرهم من سائر الملل، فقد حجته الجبابرةُ من الملوك والأكاسرة، وكسته التبابعة، (١) وقدسته سائرُ العرب، واحترموا قريشًا؛ لأنهم سدنته وذرية مؤسسه. وقد قال أبو طالب في خطبته: "وجَعلنا حَضَنَةَ بيته، وسُوَّاسَ حرمه، وجعلنا الحكامَ على الناس". (٢)

٦ - ومنها ما يسر الله لسكانه من الأرزاق بسببه، وذلك بمجيء الناس للحج من كل فج عميق، قال الله تعالى: {جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ وَالشَّهْرَ الْحَرَامَ وَالْهَدْيَ وَالْقَلَائِدَ ذَلِكَ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَأَنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٩٧)} [المائدة: ٩٧]، وأن من أكبر الآيات فيه للمهتدي أنه مصدرُ التوحيد والحنيفية.

ثم انشقت منه جداولُ الشرائع والهدى اشتقاقَ الجداول من النهر، ثم اجتمعت وآوت إليه في شريعة الإسلام، فعاد النهرُ إلى مجراه. وفي ذلك رمزٌ إلهي إلى أن الدين عند الله هو الإسلام، وأنه ابتدأ على يد إبراهيم في مكة كالحبة المزروعة إلى أن آن أوانُ جَناه، فظهر من حيث بدئ، ليدل على أن الزرع قد نضج، وأن الغرس قد أثمر.


(١) يُطلق لقبُ تُبَّع (ووزنه كوزن كسكر) على الملوك الذين حكموا اليمن، وعلى مجموعهم التبابعة. وقد ذكرت بعض المصادر التاريخية أنهم سموا تُبَّعًا وتبابعة لأنه يتبع بعضهم بعضًا، كلما هلك واحد قام مقامه آخر تابعًا له على مثل سيرته، أو لأن التبع ملك يتبعه قومه ويسيرون خلفه تبعًا له، أو لكثرة أتباعه، أو من التتابع لتتابعهم. وقد ذُكر أن هذا اللقب لا يُلقَّب به إلا الملوك الذين يملكون اليمن والشحر وحضرموت، وقيل حتى يتبعهم بنو جشم بن عبد شمس، أما إذا لم يكن كذالك، فإنما يسمى ملكًا. وأول من لقب منهم بذالك الحارث بن ذي شمر، الذي يعرف أيضًا بالرائش. ولم يزل هذا اللقب واقعًا على ملوكهم إلى أن زالت مملكتهم بملك الحبشة لليمن.
(٢) السهيلي، أبو القاسم عبد الرحمن بن عبد الله بن أحمد بن أبي الحسن الخثعمي: الروض الأُنف في شرح السنة النبوية لابن هشام، تحقيق مجدي بن منصور بن سيد الشوري (بيروت: دار الكتب العلمية، ط ١، بدون تاريخ)، ج ١، ص ٢١٣.

<<  <  ج: ص:  >  >>