للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وقوله تعالى: {مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ}، المقام اسم على وزن المفعل، مشتق من القيام، مُرادٌ به مكانُ القيام. والقيام يُطلق أيضًا على الوقوف للدعاء والعبادة كالصلاة، فمقام إبراهيم يصح أن يكون المرادُ منه مسجدَ إبراهيم مصلاه ومحلَّ وقوفه بين يدي ربه، كما قال زيد بن عمرو بن نفيل: (١)

عُذْتُ بِمَا عَاذَ بِهِ إِبْرَاهِمْ ... مُسْتَقْبِلَ الْكَعْبَةِ وَهوَ قَائِمْ (٢)

وعليه فمقامُ إبراهيم هو البيت، فيكون قولُه: "مقام إبراهيم" مرفوعًا على الاستئناف كالنعت المقطوع، أي هو مسجد إبراهيم. فالغرضُ من الإضافة لهذا الاسم هو التنويهُ بالمضاف إليه لزيادة تشريف المضاف.

ويصح أن يكون المقام مشتقًّا من مطلق القيام، أي محل قيام إبراهيم لبناء الكعبة، كقول أبي طالب المتقدم: "وموطئ إبراهيم في الصخر قائما". فيكونُ المرادُ بالمقام الحجرَ الذي فيه أثرُ قدمَيْ إبراهيم - عليه السلام -، وهو مِمَّا أُطلق عليه المقامُ من عهد


(١) كان من الحنفاء، وفرَّ إلى الله من عبادة الأصنام. ساح في أرض الشام تطلبًا للدين القيم، فرأى النصارى واليهود، فلم يطمئن إلى ما كانوا عليه، وقال: "اللهم إني على دين إبراهيم"، ولكن لم يظفر بشريعة إبراهيم - عليه السلام -، ولا رأى مَنْ يوقفه عليها. وهو من أهل النجاة، فقد شهد له النبي - صلى الله عليه وسلم - بأنه "يبعث أمةً واحدة". الحاكم النيسابوري: المستدرك، "كتاب معرفة الصحابة - رضي الله عنهم -"، الحديثان ٥٩٢٣ و ٥٩٢٧، ج ٣، ص ٥٣٨ - ٥٣٩. وزيد بن عمرو هو ابن عم عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -، رأى النبي - صلى الله عليه وسلم - ولم يعش حتى مبعثه، وهو والد سعيد بن زيد أحد العشرة المبشرين بالجنة. روى هشام بن عروة - فيما نقله عنه ابن أبي الزناد - أنه بلغه أن زيد بن عمرو كان بالشام، فلما بلغه خبر رسول الله - صلى الله عليه وسلم -، أقبل يريده، فقتله أهلُ ميفعة بالشام. وروى الواقدي أنه مات، ودفن بأصل حِراء. وقال ابن إسحاق: قتل ببلاد لخم. والظاهر أن زيدًا رحمه الله توُفِّيَ قبل المبعث، فقد نقل ابن إسحاق أن ورقة بن نوفل رثاه بأبيات، منها:
رَشَدْتَ وَأُنْعِمْتَ ابْنَ عَمْرٍو وَإِنَّمَا ... تَجَنَّبْتَ تَنُّورًا مِنَ النَّارِ حَامِيَا
بِدِينِكَ ربًّا لَيْسَ رَبٌّ كَمِثلِهِ ... وتركِكَ أَوْثَانَ الطَّوَاغِي كَمَا هِيَا
ابن هشام: السيرة النبوية، ج ١/ ١، ص ١٨٦ - ١٨٧.
(٢) المرجع نفسه، ص ١٨٥.

<<  <  ج: ص:  >  >>