للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الجاهلية وفي الإسلام. وقد قيل إنه المرادُ في قوله تعالى: {وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى} [البقرة: ١٢٥]. وقال الفرزدق:

أَلَمْ تَرَنِي عَاهَدْتُ ربِّي، وَإِنَّنِي ... لَبَيْنَ رِتَاجٍ قَائِمٌ وَمَقَامِ (١)

فيكون رفعُه على أنه من "آيات" بدل من مجمل، غير أن المبدل منه جمع والبدل مفرد فلم يذكر بقية المفصل اكتفاءً بالمهم من الآيات. وعلى هذا المعنى فسر الزجاج وتبعه الزمخشري. وزاد فجعل مقامَ إبراهيم بمنزلة آيات كثيرة لقوة دلالته، أو لأنه يشتمل على آيات؛ لأن بقاء أثر القدم في الصخرة الصماء آية، وغوصه فيها إلى الكعبين آية، وإلانة بعض الصخرة دون بعض آية.

وقوله تعالى: {وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا} [آل عمران: ٩٧]، لفظُه لفظُ الخبر. والظاهر أن معناه كذلك، فيكون من جملة صفاتِ البيت. ويكون هذا من دلائل عناية الله بما سخر الأممَ وألهمهم لاحترامه، وتأمين داخله. فقد كان العربُ مع شدة حنقهم على أعدائهم يلقَى الرجلُ في المسجد الحرام قاتلَ ابنه أو أبيه فلا يتعرض له. (٢) ويكون هذا المعنى آيةً ثانية، فيكون البدلُ من الجمع قد وقع باثنين وسكت عن الثالث. ونظره في الكشاف بقول جرير:


(١) ديوان الفرزدق، شرح إيليا حاوي (بيروت: دار الكتاب اللبناني ومكتبة المدرسة، ط ١، ١٩٨٣)، ج ٢، ص ٤٠٥.
(٢) ومما شاع تعبيرًا عن معنى الأمن الذي ارتبط بالحرم ومكة عند العرب في الجاهلية المثل القائل: "آمَنُ من حمام مكة، ومن غزلان مكة". فلم يكن الأمنُ فيها خاصًّا بالبشر، بل شمل الطير والحيوان، وخاصة في الأشهر الحرم. قال النابغة:
لَا وَالَّذِي آمَنَ الْغُزْلَانَ تَمْسَحُهَا ... رُكْبَانُ مَكَّةَ بَيْنَ الْغَيْلِ وَالسَّعَدِ
انظر الجاحظ، أبو عثمان عمرو بن بحر: كتاب الحيوان، تحقيق عبد السلام محمد هارون (بيروت: دار إحياء التراث العربي، بدون تاريخ)، ج ٣، ص ١٣٩ - ١٤٢ و ١٩٢ - ١٩٥. وجاء صدر البيت في رواية ابن السكيت بلفظ: "والمؤمِّنِ الطَّيْرِ العائِذّاتِ يَمْسَحُهَا". ديوان النابغة الذبياني، ص ٢٥ (نشرة محمد أبو الفضل إبراهيم).

<<  <  ج: ص:  >  >>