للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وأما صاحبك فرجلٌ أُلقي إلى الأمة بذلك الوصف العظيم، فكيف تراه والمشاكل تتقاطر عليه، وعيون الحيرة تعشو إلى ضوء اهتدائه وتنظر إليه؟ ثم لا يبوء لهم أمرهم إلا بضلال مبين، أو سكوت إن كان المسؤول من خلص الجاهلين!

وأما نفسك فأنت إذن بها أعرف، قد قضت سنة الله في الناس أن تخضع نفوسُهم إلى الحق والواقع والثابت. ترى الرجل تُسند إليه الهِنةُ وهو بريء منها، فتصعد إلى دماغه دماء الغضب، ويدافع عن نفسه دفاع البريء المخلص، بلسان فصيح وقلب صحيح. ثم تراه تُسند إليه تلك السيئة إن كان قد اقترفها، فيطأطئ لها رأسًا، ولا يجد منها مناصًا، مهما سترها بأطمار الجحود والمكابرة، حتى تفتضح حالُه عند الفراسة الصادقة، أو يزلق لسانُه عند البحث الشديد.

أليس ذلك آيةً على أن النفس تخضع إلى الحق وإن لم يكن مشتهاها وتبرأ من الباطل وإن كان هواها؟

كذلك الرجل يبلوه الله تعالى بنبات ذرية سوء، فيستسلم إلى ما قدر عليه، فلو كان ذلك الولد دعيَّه لقرع السنَّ من ندم، ورضي أن لو باء من سعيه بالعدم. هكذا حالُ الأفكار ومنشآتها، متى أُسندت إلى غير أصلها قارنتها ندامةٌ واغتباط، وفضيحةٌ تلوح على أخواتها مِنْ تَخالُفِ شكلٍ وانحلال رباط.

لعل في هذا المقدار مقنعًا من إيصال هذا الإحساس الحكمي إلى نفوسكم أيها النقاد، وتعريفًا بوجوب دعائنا الأفكار إلى آبائها لنقوم بالقسط، فلن نكون كذي ذهن عاقر يشوه فضيلته بانتحال أفكار ما كان لينال أمثالها. قد تُغتفر الأمورُ الضرورية والإحساساتُ الفطرية العامة التي تشترك فيها أفراد الأمة متى تقاربت في الشعور، فلا يجب إسنادُها، وربما استحال في البعض ذلك، وإن الذي قالها بالأمس لم يصدر كلامُه حتى قال مثلها أو قاربها اليوم آخر.

أما احترامُ الفكر بالمعنى الثاني، فحق على كل صاحب فكرٍ أن يقابل فكرَ غيره بالاحترام دون السخرية والهزء؛ فإن الاسترسالَ على ذلك يجبن الذين تخلقت

<<  <  ج: ص:  >  >>