للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فيهم مبادئُ العقل النظري عن الإعلان بما وُهِبوه، خشيةَ الاستهزاء والاستسخار. ولو كانت قد وصلت إلى التمكن والرسوخ لأمنا عليها، حتى إن تتستر كشمس تحت السحاب، أو كإدبار المتحرف للقتال. أترون ذلك يرزونا المنفعة المقصودة؟ ولكننا لا نخشى عليها إلا أن تموتَ تحت أقفال الأسر في صباها، وما بلغت أَشُدًّا تستطيع به مقاومةَ الزمان، ولَيَّ أيدي المضطهدين.

نحن نوقن أن أفكارًا ساقطة تنشأ في الأمة قد يجب الضغطُ أن لا تشيع؛ فتستهوي أقوامًا غافلين بسطاء، فتصبح وباءً في الأفكار المهزولة. ولكنا لما وازنا بين هاته المصلحة النادرة والمفسدة الكبرى التي كانت ولا زالت تتضاءل من اضطهاد الأفكار السامية، باسم التحقيق آونة وباسم [النقد] (١) أخرى؛ لأنها لا توافق الرغبات، ولا تجاري الشهوات، حَكَمْنا للأفكار باحترامها، وجعلنا البحثَ والنقد معيارًا يُمَيَّزُ به خبيثُها من طيبها، ولا يلبث الحقُّ أن يهزم الباطل.

لو كنا نضطهد الأفكارَ لاشتبه الباطل منها بالحق، فيصرخ يستنصر لاهتضامه كما يستصرخ الحق شيعته، وربما وجد من السامعين قلوبًا ترق للمضعوف وإن جار، فيصبح فتنة أشدَّ من أن لو تُرك يتمارض بالنقد الصحيح والحجة الدامغة، حتى يموت حتف أنفه، ثم لا يثأر له أحد.

ليس يحول هذا دون الواجب من تقويم المخطئ، إنا نعني باحترام الفكر أن لا يُتَعرَّض لصاحبه الشخصي بالطعن والاستخفاف. ولكن التقويم يكون بصفة كلية وتعريض بسيط بين سقوط الرأي بوجه برهاني أو خطابي ينفر الغافلين. وليس احترام الأفكار يأبى مناقشتَها والحكم بضعفها، لكن تجب الأناةُ في الحكم على الفكر أن لا يتعرض له بالنقد، ما دام فيه احتمال الصواب.


(١) فراغ في الأصل، وقد رأينا إضافة هذه اللفظة مناسبة ومتممة لسياق الكلام.

<<  <  ج: ص:  >  >>