للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

البصري (١) رحمهما الله، وهو الذي كان مكلَّفًا بكتابة ما يميله الحسن من التفسير الذي يرد به على القدرية والمعتزلة. وما كان يمنعه ذلك من المجاهرة باتباعه مذهبَ المعتزلة، ومن التحاقه بدروس واصل بن عطاء الغزال (٢) الذي قال له الحسن لما كثرت مناقشته: اعتزل مجلسنا. فكان عمرو بن عبيد يختلف إلى الدرسين جميعًا، وما كان ذلك يمنع الحسن من تكليفه بإملاء تفسيره. (٣) حتى استُخدِم اختلافُ الآراء آلةً للتشيع السياسي، حين آذنت الدولةُ العربية والجامعةُ الإسلامية بالانحلال والافتراق اللذين تركا من الآثار ما نحن نتخبط في مصائبه ولأوائه حتى اليوم.

وكذلك الْحَجْرُ على الرأي يكون منذِرًا بسوء مصير الأمة، ودليلًا على أنها قد أوجست في نفسها خيفةً من خلاف المخالفين وجدل المجادلين. وذلك يكون قرينَ أحد أمرين: إما ضعف في الأفكار وقصور عن إقامة الحق، وإما قيد الاستعباد الذي إذا خالط نفوسَ أمة كان سقوطُها أسرعَ من هُويِّ الحجر الصلد. حكى الجاحظ أنَّ النظَّام دخل على شيخه أبي هذيل العلَّاف، (٤) فقال: يا أبا الهذيل لم قررْتُم أن يكون


(١) هو أبو سعيد الحسن بن يسار، ولد قبل سنتين من نهاية خلافة عمر بن الخطاب - رضي الله عنه -. كان والد الحسن مولى زيد بن ثابت الأنصاري، وأمه مولاة لأم سلمة أم المؤمنين، وقد اعتقا قبل زواجهما. كانت أم الحسن منقطعة لخدمة أم سلمة رضي الله عنها فترسلها في حاجتها، فيبكي الحسن وهو طفل فتسكته أم سلمة بثديها، وبذلك تربى في بيت النبوة.
(٢) هو أبو حذيفة واصل بن عطاء الملقب بالغزال، ولد سنة ٨٠/ ٧٠٠ وتوُفِّيَ سنة ١٣١/ ٧٤٨ في المدينة المنورة. كان تلميذًا للحسن البصري، وحصل بينه وبين الحسن البصري خلاف فاعتزله وأسس لنفسه مجلسًا يدعو فيه لآرائه، ثم انضم إليه عمرو بن عبيد الذي كانت أخته زوجة لواصل. وهو يعد بذلك مؤسس مدرسة المعتزلة.
(٣) لم أعثر على ذكر لما قاله المصنف بشأن تكليف الحسن البصري عَمْرًا بكتابة ما كان يمليه من التفسير فيما رجعتُ إليه من مصادر ترجمتهما، ولكن جاء في طبقات ابن سعد أن عمرو بن عبيد "كان كثيرَ الحديث عن الحسن وغيره". الزهري، محمد بن سعد بن منيع: كتاب الطبقات الكبير، تحقيق علي محمد عمر (القاهرة: مكتبة الخانجي، ط ١، ١٤٢١/ ٢٠٠١)، ج ٩، ص ٢٧٢.
(٤) هو أبو إسحاق إبراهيم بن إسحاق النَّظَّام البصري، مولى آل الحارث بن عباد الضبعي، المتكلم، شيخ المعتزلة. تكلم في القدر، وانفرد بمسائل، وهو شيخ الجاحظ الذي وثق كثيرًا من آرائه في =

<<  <  ج: ص:  >  >>