للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الله تعالى جوهرًا خشيةَ أن يكون جسمًا؟ فهلَّا قرَّرْتُم أن لا يكون جوهرًا مخافةَ أن يكون عرضًا، والجوهرُ أضعف من العرض؟ فبصق أبو الهذيل في وجهه، فقال النظَّام: قبَّحك الله من شيخ! فما أضعفَ حجتك! (١)

وكان الخليفةُ المأمون يقول لأهل ناديه إذا جاروه على كلام: هلَّا سألتمونِي لِماذا؟ فإنَّ العلم على المناظرة أثبتُ منه على المهابة. (٢)

دامت على ذلك الأمةُ الإسلامية متمتعةً باحترام الأفكار، جريءٌ كلُّ واحد على أن يبوح برأيه، وجريءٌ كلُّ مستمِعٍ على تقويمه بالحق. وإن وقع في خلال ذلك حادثة خلق القرآن، وحادثةٌ صغيرة وقعت بالقدس بين الباطنية وأهل السنة، إلا أنها لأسباب عالية (٣) وغلط فاحش لا يسع ذكرُه اليوم.

ولَمَّا استُخدِمتِ الآراءُ للسياسة، وشاعت المداهنةُ بين الناس، وضعفت الكبراء عن الحجة، يومئذٍ ساد اضطهادُ الأفكار والضغطُ عليها، كي لا تسود على مخالفيها القاصرين الظاهرين في مظاهر العلماء المحققين. نعني بالسياسة ما يقرن سياسة الدول في تصرفاتها وأغراضها بسياسة الأشخاص المسيطرين في هواهم،


= "كتاب الحيوان"، كما رد عليه في بعضها. إليه تُنسب فرقةُ النظامية من المعتزلة. له نظم رائق، وتَرَسُّل فائق، وتصانيف جمَّة، منها: كتاب "الطفرة" وكتاب "الجواهر والأعراض"، وكتاب "حركات أهل الجنة"، وكتاب "الوعيد"، وكتاب "النبوة". توفِّيَ سنة ٢٣٠ هـ في خلافة الواثق. أما العلاف فهو أبو الهذيل محمد بن الهذيل بن عبد الله بن مكحول العبدي، المتكلم المشهور. ولد سنة ١٣١ وتوفِّي سنة ٢٣٥ هـ. كان شيخ معتزلة البصرة، ومن أكبر علمائهم، وصاحبَ مقالات في مذهبهم، وكانت له مجالسُ ومناظرات مشهودة.
(١) لم أجد هذه القصة في كتب الجاحظ، ولم أهتد إلى مصدرها عند غيره.
(٢) لم أهتد إلى المصدر المنقول منه هذا القول. وقد ساق هذا نفسه صديق المصنف الشيخ محمد الخضر حسين في محاضرة بعنوان "الدهاء في السياسة" ألقاها بنادي الجمعية الإسلامية، ونشرت في مجلة الهداية الإسلامية (الجزء السادس من المجلد الخامس، ص ٩٤ - ١٠٠) وهي كذلك في كتابه محاضرات إسلامية (ص ٩٤).
(٣) لعلها "عادية".

<<  <  ج: ص:  >  >>