(٢) جاء في آخر كتاب السفسطة من منطق الشفاء في فصل "و" المعنون "فصل في خاتمة الكلام في السوفسطائية وعذر المعلم الأول عن تقصير لو وقع" ما يلي: "قال [أرسطو]: وأما صورة القياس، وصورة قياس قياس، فأمر قد كددنا في طلبه مدةً من العمر حتى استنبطناه. فإن عرض في هذا الفن الواحد تقصير، فلنعذر من يشعر به عند التصفح، ولنقبل المنّة بما أفدناه من الصواب، ولنعلم أن إفادة المبدأ واستخراج قاعدة الصناعة أجلُّ موقعًا وأسمى مرتبةً من البناء عليها، خصوصًا إذا كان المستنبط - مع أنه مخترع مبتدئ - محيطًا بكل الصناعة وقوانينها، لا يذر منها إلا [لا] يعتد به. فهذا ما يقوله المعلم الأول. وأما أنا [ابن سينا] فأقول لمعشر المتعلمين والمتأملين للعلوم: تأملوا ما قاله هذا العظيم، ثم اعتبروا أنه هل ورد من بعده إلى هذه الغاية - والمدة قريبة من ألف وثلثمائة وثلاثين سنة - من أخذ عليه أنه قصر، وصدق فيما اعترف به من التقصير، فإنه قصر في كذا؟ وهل نبغ من بعده من زاد عليه في هذا الفن زيادة؟ كلا، بل ما عمله هو التام الكامل والقسمة تقف عليه، وتمنع تعديه إلى غيره. ونحن مع غموض نظرنا - كان أيام انصبابنا على العلم، وانقطاعنا بالكلية إليه، واستعمالنا ذهننا، أذكى وأفرغ لما هو أوجب - قد اعتبرنا، واستقرينا وتصفحنا، فلم نجد للسوفسطائية مذهبًا خارجًا عما أورده. فإن كل شيء تفاصيل لبعض الجمل - التي أخذناها منه - ما نحن نرجو أن نستكثر من الدلالة عليه في "اللواحق" حين نرجو أن نكون أفرغ لما هو أوجب. والذي عمله معلمه [أفلاطون]، وسماه كتاب "سوفسطيقا" حاد فيه عن الواجب، وقصر عن الكفاية. أما الحيد فخلطه المنطق بالطبيعي والإلهي، وهذا لضعف تمييز كان فيهم قبل نبوغ هذا العظيم. وأما التقصير فإنه لم يفهم وجهًا للمغالطة إلا الاسم المشترك. وبالحري أن نصدق ونقول: إنه إن كان ذلك الإنسانُ مبلغُه من العلم ما انتهى إلينا منه، فقد كانت بضاعتُه مزجاة، ولم تنضج الحكمةُ في أوانه نضجًا يجنى. ومن يتكلف له العصبية، وليس في يديه من علمه إلا ما هو منقول إلينا، فذلك إما عن حسد لهذا الرجل [أي المعلم الأول أرسطو]، وإما لعامية فيه ترى أن الأقدم =