للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإن قال قائل: من الذين يستمعون إلينا إذا كان العلم كمالًا، واشتاقت النفوس إليه، وأراد كلُّ أحد أن يضرب بسهمه فيه، حين يعلم بما وصفت حاله قبل من الرجس وسوء القصد، فبأي وسيلة يمكن أن نكشف عنها هذا الرجس مع قضاء حق الكون من اختلاف الآيات والأعمال؟ وكيف نستطيع أن نجعل العلماء صانعين سواء كنَّا مدبري أمرَ الأمة أم بالأقل أمرَ أنفسنا وأبنائنا ومَنْ يهمنا الأمرُ بحالهم من أصفيائنا؟ !

فجوابنا أن طريقة ذلك أن يسعى معلموهم في ثلاثة أمور إن تمت لهم.

الأمر الأول: أن يقذفوا في قلوب الأمة جمعاء الإقناعَ بمبدإ واحد، وهو الشعور بأن تقدم أيِّ صناعة يتوقف على إتقان علم تلك الصناعة، وتنوُّرِ عقل صاحبها. فإتقانُ علمها شيء ثانٍ، وهو أن يمارس قواعدها، سواء كانت ممارسةً مدرسية كلية أم تجريبية جزئية تفيد الاطلاعَ على غوامض تلك المهنة. وتوسيعُ عقل الصانع وتنوره هو المرتبة الأولى، وذلك إعدادٌ من الله. غير أن الناس قادرون أن يسعوا فيه بوجه الجملة، من حيث إن الله أعدَّ كلَّ إنسان بما هو إنسان لتلقِّي الكمال والنقصان بحسب همته. وذلك بالأمرين التاليين، وعن ازدواج هذين تتولد ملكةُ الاختراع في سائر الأشياء.

الأمر الثاني: تعميمُ التعليم بين سائر أفراد الأمة، وجبرُ الناس عليه، لا بإخراج التلميذ من بيته إلى المدرسة كرهًا، ولكن باتفاق الأمة مع كبرائها على أن لا يُعتدَّ بأي رجل لم يكن مستكملًا للتعليم الابتدائي الذي يجب أن يشترك فيه سائرُ الأمة، فيلزّ الأب أو الابن في قرن هذا التكليف متى علم توقف مستقبله على التعليم.

أما تنشيط الكبراء وتعضيدهم للنابغين من أهل النشأة العلمية، فهو الباعثُ الأكبر على المسابقة في حلبة النظر. ولكنه - ويا للأسف - شيء لا ينشأ إلَّا عن معرفة مقدار كدِّ الأفكار. وكفى بلذة العلم منشطًا لأصحابه، وشاغلًا للقلب عن اطراحه دون عناية أمته واغترابه.

<<  <  ج: ص:  >  >>