للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ويشبه أن يكون الخلافُ بين الأشعري والحكماء قريبًا من الخلاف اللفظي؛ لأنه ناشئٌ عن اختلاف الاصطلاح في تفسير الوجودي وفي تفسير الزائد، وليس هذا موضعَ تحقيقه، فنكتفي بالإشارة إليه. على أن هاتين المسألتين مما لا يؤثر في العقيدة، نلتزم فيها اتباعَ الأشعري رحمه الله، الذي جعلناه قدوتنا في أصول الاعتقاد، وقد خالفه في هاتين المسألتين كثير من أصحابه.

فلما نظر بعضُ الصوفية في كتب الحكماء والكلام، اختاروا طريقةً ثالثة هي مزيج من الطريقتين، وذلك أنهم أثبتوا وحدةَ الوجود؛ أي أخذوا بقول الحكماء في أن الوجود حقيقةٌ متحدة مستقلة عن حقيقة الموجود من حيث إنه موجود؛ أي أن وجود الشيء ليس عينَ ذلك الشيء. فارتقى بعضُهم - عن غلوّ أو عن سوء تحقيق - فجعلوا أو توهموا أن مظاهرَ الوجود غيرُ متمايزة بالعوارض. وحيث كان التمايزُ بالعوارض مُدْرَكًا بالضرورة ولا مندوحةَ لعاقل عن الجزم به، أبَوْا أن يعتبروه لئلَّا


= موجود غير هذا الواحد، فكيف تكون الموجودات غير موجودة أي غير متصفة بالوجود؟ فكيف يصح هذا النظر ويتحقق هذا المعنى؟ كان الجواب المحقق عن ذلك هو أن لفظة الوجود والموجود المقول على هذا الوجود الأول البسيط المعنى والهوية وعلى الوجود الذي هو ماهية ولها وجودٌ تتصف به، إنما يقال بالاشترك، فلا موجود على الحقيقة وبهذا المعنى إلا هو. وأما الموجود الذي وجوده صفة حاصلة لماهيته بغيره، فمعنى وجوده هو علاقته بهذا الموجود ونسبته إليه ومعيَّته وإضافته إلى هذا الأول، فهذا نوعٌ من التوحيد لا يُعقل في شيء من الآحاد إلا في هذا الواحد الذي هو الموجود الأول. . . فالوجود الذي تتصف به الموجودات المعلولة ويقال لها به إنها موجودة، غيرُ هذا الوجود القائم بذاته الذي معنى الصفة لموصوف بها، أعني الوجود والموجود واحد، ولفظة الوجود والموجود تقال عليهما باشتراك الاسم". البغدادي، أبو البركات هبة الله بن علي بن ملكا: الكتاب المعتبر في الحكمة (جبيل/ لبنان: دار ومكتبة بيبليون، ٢٠٠٧، تصوير عن الطبعة الأولى الصادرة عن دائرة المعارف العثمانية بحيدرآباد الدكن بعناية سليمان الندوي، ١٣٥٨ هـ)، ج ٣، ص ٢١ و ٦٤ - ٦٥. وانظر عرضًا مكثفًا ودقيقًا لآراء المتكلمين والفلاسفة في المسألة في: النابلسي، عبد الغني بن إسماعيل: الوجود الحق والخطاب الصدق، تحقيق بكري علاء الدين (دمشق: المعهد الفرنسي للدراسات العربية، ١٩٩٥)، ص ٥٩ - ٦٠ (نقلًا عن شرح طوالع الأنور لشمس الدين محمود الأصفهاني).

<<  <  ج: ص:  >  >>